ليت شعري إلى كم يتنطع. هؤلاء المساكين في معنى حرية الفكر والرأي.
فاسمع يا طه:
قال دمنة: ثم إن هذه الدباجة كانت تزعم لنفسها حرية الفكر، وتنسى أن
للفكر شروطاً كثيرة لم تجتمع لها، وأن حرية الفكر في مثلها هي حرية الجناية
عليها وحرية الجناية منها، فرأت جملاً بازلاً كالقصر العظيم يقوده طفل صغير، فهالها ما رأت من عظمه وقوته، ووقع من نفسها ما علمت من لينه ومطاوعته.
فقالت للدحاج: إني قد فكرت في الترفيه عنا، فسنتخذ لنا خادماً قوياً نمتهنه
فأخذت في منقارها زمام الجمل وجاءت به تقوده، فلم يكد يضع خفه في تلك التماريد " الأقفاص" حتى هشمها وتفلق البيض وهلكت الفراريج وطاح الدجاج في كل ناحية، وفهمن من مصيبتهن ما لم يفهمن من عقولهن، وهذا كله على أن الجمل لم يضع إلا رجله في بيت الدجاج، فكيف لو ذهب وجاء فيه كما يفعل الخادم في الخدمة. . .؟
ثم قال طه، "إن العالم ينظر إلى الدين كما ينظر إلى اللغة، وكما ينظر
إلى الفقه، وكما ينظر إلى اللباس، من حيث أن هذه الأشياء كلها ظواهر
اجتماعية يحدثها وجود الجماعة وتقع الجماعة في تطورها، وإذن فالدين في
نظر العلم الحديث ظاهرة كغيره من الظواهر الاجتماعية، لم ينزل من السماء
ولم يهبط به الوحي، وإنما خرج من الأرض كما خرجت الجماعة نفسها وإن
رأي "دوركيم" أن الجماعة تعيد نفسها، أو بعبارة أدق "أنها تؤله نفسها" "يريد أنها تخترع الإله بفكرها ثم تعبده، فهي تعبد فكرها وتؤله نفسها"
وأن النصيحة أن يقال الحق للناس، وهو أن الدين في ناحية والعلم في ناحية أخرى وليس إلى لقائهما سبيل. . . وأن العلم لا يقبل تأويلاً، فهو إذا زعم لك أن الأرض كرة وأنها تدور حول الشمس لن يقبل منك أن تؤوله أو تحوله عن وجهه، كما أنه لن يقبل منك أن تؤول أو تحول قواعد الحساب وأصول الرياضة.
وإذن فالتأويل يتناول نصوص الدين وحدها، وهؤلاء المؤولون يفسدون نصوص التوراة والقرآن ويحملونهما غير معناهما، ليوفقوا بينهما وبين العلم؛ هم يأتون بتوراة جديدة وقرآن جديد، وهم يفهمون التوراة والقرآن
(لا يذكر إلا التوراة والقرآن) ، أما الإنجيل فيظهر لنا أنه في شفاعة زوجه المسيحية. . .) فهماً لو