الشعر العربي ولا ينقصه إلا القافية، كما أنه لا يحسنه ويزينه إلا هذه القافية
نفسها؛ فإذا قلنا الوحدة والشخصية، عابته القافية من جهة ما، وإذا قلنا
التأثير والتمكين والموسيقى والنغم وقوة السبك والاتساع في المعاني ودلالة
بعض الكلام على بعض، كانت القافية هي تمام الحسن.
وهذه القافية الواحدة في القصيدة هي أعسر الأشياء في - الشعر الإفرنجي، فلما انطلق شعراؤه منها جاؤوا بالشعر كما يجيء أحدنا بالمقالة من النثر: جُملاً معلقة على جمل وسطوراً مرتبطة بسطور؛ فمن ثم معنى الوحدة في الشعر الإفرنجي وما هي بشيء عندنا لأن لغتهم قليلة الزخرف ضئيلة المادة، على أننا إذا نوعنا القوافي والبحور جاريناهم وسبقناهم لو أن عندنا أمة تطلب الشعر؛ فإن الشعر العربي بعد الأمويين لم يزل شعر فئة لا شعر أمة، وقد بيَّنا هذا المعنى في مقالة نشرها "المقتطف " الأغر.
إن للشعر العربي على طريقته المعروفة حيزاً من النفوس يجب أن يقر فيه
ولا يعدوه، - فإن مداره على التأثير، فإذا أردته - على غير ذلك كنت كالذي يتناول العود أو الكمنجة ليتخذ من أحدهما هراوة يضرب بها!
ونمسك الآن عن إتمام هذا البحث لأن له موضعاً في الجزء الثالث من
كتابنا "تاريخ آداب العرب" ونحن ندخره لموضعه.
غير أنا نختم القول بطرفة بديعة في الشخصية قالوا: كان ابن أبي المولى
من شعراء المدينة، وكان موصوفاً بالعفة وطيب الإزار؛ فأنشد عبد الملك بن
مروان شعراً رقيقاً يقول فيه:
أبكي فلا ليلى بكت من صبابة. . . لباك ولا ليلى لذي البذل تبذل
واخنَعُ بالعتبى إذا كنت مذنباً. . . وإن أذنَبَت كنتُ الذي أتنصل
فرق له عبد الملك وأخذته هذه الشخصية العاشقة المحترقة، فقال من