البحتري وأشجع السلمي وجماعتهما، وأمثال ابن عبد القدوس والمتنبي ومن
يذهب مذهبهما، وفسق أبي نواس والخليع وأمثالهما، وزندقة المعرِّي ومن
أعماه الله بعماه؛ وقس على ذلك، فإن الصناعة الواحدة تُقارب بين أهلها إن كانت بديعاً أو لغة أو غيرهما.
ومن المضحك قول طه إنه يتحدى أي ناقد أن يعبث بالشعر الإسلامي
"أقل عبث" دون أن يفسده، فليأت هو بقصيدة واحدة لا يمكن فيها تغيير لفظ بلفظ وتقديم بيت على موضعه أو تأخيره عن موضعه؟
وإن كان هذا مما يفسد الشعر فأول من يعبث بالشعر قائله الذي وضعه، لأنك ترى الشاعر يعمل القصيدة وفيها البيت من الأبيات وموقعه الثالث أو الرابع مثلاً، ثم يخرجها فإذا هذا البيت بعينه هو الثلاثون أو الأربعون، ولا يختل نظم القصيدة ولا عمود الشعر إن كان هنا أو هنالك.
وما هي وحدة القصيدة إذا كانت تبدأ بالنسيب ثم تخرج إلى الوصف ثم
تميل إلى الحكمة ثم تنتهي إلى المدح، وأنت في كل ذلك تفصل الكلام بالمثل
بعد المثل. ولو حذفتَ النسيب والأمثال من قصائد المدح لاستقام المدح ولم
يفسد الشعر.
إن الشعر العربي خاضع لقوافيه ما من ذلك بعد، فالقافية واختلاف
معانيها قبل الشاعر وعمله وفكره وشخصيته، وانظر كيف يصنع هذا الشعر: قال ابن رشيق: كان أبو تمام ينصب القافية للبيت ليعلق الأعجاز بالصدور؛ وذلك هو التصدير في الشعر، ولا يأتي به كثيراً إلا شاعر متصنع كحبيب
ونظرائه، والصواب أن لا يصنع الشاعر بيتاً لا يعرف قافيته.
قال: ومن الشعراء من يسبق إليه بيت واثنان وخاطره في غيرهما يجب أن يكونا بعد ذلك بأبيات أو قبله بأبيات. وذلك لقوة طبعه وانبعاث مادته؛ ومنهم من ينصب قافية بعينها لبيت بعينه من الشعر، مثل أن تكون ثالثة أو رابعة أو نحو ذلك، لا يعدو بها ذلك الموضع إلا انحل عنه نظم أبياته.
"وذلك عيب في الصنعة شديد ونقص بيق ". . .
ومنهم من إذا أخذ في صنعة الشعر كتب من
القوافي ما يصلح لذلك الوزن الذي هو فيه، ثم أخذ مستعملها وشريفها وما
ساعد معانيه وما وافقها واطرح ما سوى ذلك، إلا أنه لا بد أن يجمعها
ليكرر فيها نظره ويعيد عليها تخيره في حين العمل وهذا الذي عليه حُذاق
القوم.
قلنا: ولو كان شيخ الجامعة "من حُذاق القوم" لعرف أنه لا يعيب