كانوا جميعاً مهلهلين إذن؛ غير أننا لا نستطيع أن نطمئن إلى أن يهلهل شعراء

الجاهلية جميعاً الشعر بحيث يصبح لكل واحد منهم شخصيات شعرية

مختلفة تتفاوت في القوة والضعف وفي الشدة واللين وفي الإغراب

والسهولة، وإذن فمن الذي هلهل الشعر؛ هلهله الذين وضعوه من القصاص

والمنتحلين " انتهى.

فالشخصية عنده هي الجزالة والفخامة أو الرقة والسهولة، كان كل شاعر

لا يكون شاعراً إلا إذا لزم نمطاً واحداً بعينه، وهذا خطأ مبين وضلال بعيد.

فليس من شاعر قديم أو حديث، بل ليس شاعر يُعد شاعراً إلا إذا أعطى

المعاني خير ألفاظها؛ جزلة في مقام الجزالة ورقيقة في مقام الرقة؛ ولا تجد من

يلزم طريقة واحدة في اختيار اللفظ إلا إذا لزم فناً واحداً في المعنى، كالشاعر

الغَزِل المتهالك في نسيبه، فإن هذا الغزل لا تحسن فيه إلا ألفاظ في رقة الدموع والتنهدات، وأنت تعرف أن بشار بن برد هو القائل:

إذا ما غضبنا غضبة مُضَرِّية. . . هتكنا حجاب الشمس أوقطرت دَما

إذا ما أعرنا سيداً من قبيلة. . . ذرَا منبر صلى علينا وسَلما!

وهو القائل في جاريته "ربابة":

ربابة ربةُ البيت. . . تصب الخل في الزيت

لها عشر دجاجات. . . وديك حسن الصوت

قد قيل له في ذلك فقال: إن هذا في ربابة خير من قول امرئ القيس في

معلقته، وذلك قول صحيح، لأنه يعبث بربابة ويداعبها، ويكاد شعره يكون قرصة رقيقة في جلدها. . .

ْوثم تعريف آخر للشخصية عند طه، فإن المضطرب لا يستقر على شيء.

قال في صفحة 177 وقد أورد شعر طرفة بن العبد:

ألا أيهذا الزاجري اخضُرَ الوَغى. . . وأن أشهدَ اللذات هل أنت مُخلِدي

فإن كنتَ لا تسطيعُ دفع منيتي. . . فدعني أبادِرها بما ملكت يدي

ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى. . . وجَدك لم أحفِل متى قام عُودي

فمنهن سَبقي العاذلات بشربة. . . كمَيْتٍ متى ما تغلَ بالماء تزبد.

وكرِّي إذا نادى المضاف محنباً. . . كسيد الغضا نبهته المتورد.

وتقصير يوم الدجن والدجن معجب. . . ببهكنَة تحت الخباء المُعَمد!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015