حريق وتدمير، وإني لأرى لك حالاً ما أحسبك فيها إلا قد بُعثت من جهنم إلى هذه المدينة، وما أظنك تفلح أبداً في تغبير طبعك ومذهبك، حئى لو كنت بحرا لانقلبت على الناس طوفانا تهدم بالماء كما أنك تهدم بالنار، فقد سئمتُ صحبتك وأنا ذاهب عنك ألتمس عملاً أنفع به هؤلاء المساكين؛ لعلي أرد عليهم بعض ما تأخذ منهم؛ فقد قالت العلماء إن خير ما يكون الخير إذا هو جاء بعد شر ما كان من الشر.

قال البركان: أيها الزلزال، لا تغترَّ بالفلسفة والخيال، فإن الكلام أيسر

ما أنت آخذه وأهون ما أنت مُعطيه وإنه لن يكون قولك قولاً ما لم يكن عليه

من طبعك دليل وشاهد، وإلا فإنما هو كلام بعضُه كبعضه وحقه كباطله

وشريفه كخسيسه؛ ولو شئت أن أسمي هذا الحميم الذي أصهره في جوفي

من الصخور والمعادن خمراً سائغة للشاربين لفعلتُ وقلت، ثم لوصفتها

وزينتها بالشعر والحكمة وكابرتُ فيها وجادلت عليها، ولكن ذلك كله قول

هراء إذا أنا لم أجد من يقول اسقني، وما فلسفتك هذه إلا كفلسفة مدير

الجامعة التي في مصر. . .

قال الزلزال: وما ذاك؟

قال: إنها كانت مدرسة تولاها هذا الرجل الفاضل المتكلم، وكان من

المعلمين فيها صخر إنساني عظيم اسمه طه حسين، أخذت طينته من بعض

أجدادنا.. وإذا تدحرج هذا الصخر فليس منه إلا الهدم والتخريب والدمامة

على الناس، فأرادت تلك الأمة إقرار هذه الصخرة في حفرتها وشدها إلى

موضعها؛ وأبى مدير الجامعة إلا إطلاقها وتركَها حرة مستقلة ثم تحريرها مع

ذلك على الطرق العامرة والدور القائمة دون القفز واليباب، وذهب يدفع

عنها فكان فيما قاله "إن التخبط قد جرت العادة بأن يقترن دائماً أو غالباً بكل بداية، فدعوا الصخر (يتخبط) على طبيعته وعلى طريقته فلا عليكم منه، وما أنصفتم والله إذ تقولون إنه يهدم عليكم الدور ثم تنسون أنه يوسع لكم

الشارع. . . .

قال الزلزال: دعني منك فوالله لأكونن غير ما في نفسك، وأنت تعلم حدة

طبعي وما قد خُصصت به من تمام القوة والذكاء، فأنا غاد فمتعلم الهندسة.

لأنها لمن أوكد الأسباب فيما أريده من الإصلاح!

قال كليلة: وضرب الدهر ضربة فإذا هو مهندس قد برع وفاق وأحكم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015