أقام على منهاجِه وطريقِه. . . يوالي وليَّ الحق والحقُّ أعدل
قال طه: "فانظر إلى هذين البيتين في أول المقطوعة كيف يمثلان ذكر
حسان لعهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وحزنه عليه وأسفَه على ما فات "الأنصار" من موالاة النبي لهم وإنصافه إياهم " انتهى.
وبعد صفحة واحدة قال: كما كان الزبير من هذه الفئة القرشية التي كانت
تعطف على "الأنصار" ذكراً لعهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو
" احتفاظاً بمودة الأنصار ليوم الحاجة. . . ".
والخبر من الأغاني في ترجمة حسان، وعبارته أن الزبير مرَّ بمجلس من
أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحسان بن ثابت ينشدهم من شعره وهم غير نشاط لما يسمعونه منه، فجلس معهم الزبير فقال: ما لي أراكم غير آذنين لما تسمعونه من شعر ابن الفُريعة، فلقد كان يعرض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيحسن استماعه ويجزل عليه
ثوابه ولا يشتغل عنه بشيء، فقال حسان وأنشد الأبيات.
فانظركم في أسباب الدلالة التاريخية بين قول الأغاني إنه مر بمجلس
من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقول طه مر بنفر من المسلمين وهذا الخبر قد مرَّ على كل علماء الأدب والتاريخ الإسلامي فما فطن أحد إلى دلالته على حزن الأنصار وعطف الزبير عليهم "ليوم الحاجة"، إلا أستاذ الجامعة وحده؛ فأين فيه ذكر الأنصار وحزنهم على ما فاتهم، وإنما يتكلم حسان عن نفسه وإياها أراد بقوله: "وليَّ الحق" إذ كان يتولاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو رجل شاعر كل
مجده في إقبال الناس عليه ونشاطهم لكلامه إن كانوا من قومه الأنصار أو
من غيرهم.
وأين النص يا أستاذ الجامعة على أن ذلك المجلس من الصحابة كان من
قريش، فإنه إذا جاز أن يكون من الأنصار فقد بطل ما جئت به؛ إذ يكون قومُ حسان هم الذين لم ينشطوا لسماعه، ثم كم من الفرق بين أن يكون سامع الشعر غير ناشط له وبين أن يكون غير "حافل " به؛ ثم أين النص على أن ذلك المجلس كان في تاريخ بعينه مع أنه يجوز أنه كان في زمن عمر بن الخطاب بعد أن استقرت الأمور ولم يبق شيء من الخلاف بين قريش والأنصار، أو بعد ذلك بزمن بعيد، فإن الزبير قتل في سنة ست وثلاثين للهجرة.
وإذا علمتَ أن الزبير هو ابن عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحواريُّه وصفيُّه وقد شهد معه المشاهد كلها فلا تسألني أنا عن معنى قول الأستاذ "ليوم الحاجة"، ولكن سل رجلاً ملحداً زنديقاً