وأولئك -: "فكل سخنة عين رأيناها في أحداثنا وأغبيائنا تأمل، فمن قبَلهم كان أولها" ورحم الله أبا عثمان، إن التاريخ ليعيد نفسه اليوم "بسخنة عين
جديدة".
وأما الثالثة فإن الخاصية في فصاحة هذه اللغة ليست في ألفاظها، ولكن في
تركيب ألفاظها، كما أن الهزة والطرب ليست في النعمات ولكن في وجوه تأليفها.
وهذا هو الفن كل الفن في الأسلوب، لأنه يرجع إلى الذوق الموسيقي في حروف هذه اللغة وأجراس حروفها، وأشهد ما رأيت قط كاتباً واحداً من أهل "المذهب الجديد" يحسن شيئًا من هذا الأمر، ولو هو أحسنه لانكشف له من إحسانه ما لا يُبقي عنده شكًّا في إبطال هذا المذهب وتوهيته، ولذا تراهم يعتلون لمذهبهم الجديد بالفن والمنطق والفكر وبكل شيء إلا الفصاحة، وإذا فصُحُوا جاؤوا بالكلام الفج الثقيل، والمجازات المستوخِمة، والاستعارات الباردة، والتشبيهات المجنونة.، والعبارات الطويلة المضطربة التي تقع من النفس كما تقع الكرة المنفوخة من الأرض لا تزال تنبو عن موضع إلى موضع حتى تهمد!.
ولا نريد أن نطيل في هذا الوجه، فقد استوفينا أكثر الكلام عليه في الجزء
الثاني من "تاريخ آداب العرب "، وإنما نقول إن الكلام الوحشي الغريب ينقسمِ إلى قسمين: ما كان خشناً مُستغرَباً لا يعلمه إلا باحث مطلع.
وما كان مأنوسا واقعاً في غير موقعه، كما ترى في أساليب بعض كتاب هذه الأيام التي تنفجر بما لا يطاق على رقتها وتهب عليك هبوب النسيم ولكنه بين موضع وموضع لا بد أن يكنس الأرض. . .!
فالقسم الأول نافر بنفسه،. فهو وحشي على حالة واحدة لا تختلف.
والثاني نافر بموضعه، فهو وحشي يعلو ويسفل على مقدار اضطرابه، ثم هي
وحشية المذهب الجديد اختص بها ولا يكادون يتنبهون إليها.
هذه كلمة لم نعرض في إجمالها للتفاصيل وإنما حَدَرناها حدراً، وإذا
أنت أردت تشبيهاً في مخاصمة المذهب الجديد للقديم وما يتوهمه هذا الجديد
وما ينتهي إليه أمره، قلنا لك التمس رجلاً يرى ظل رأسه على حائط فيضربه برأسه الذي على عنقه. -.!
ولكن اعلم أنا وإياك إلا نحذره ونمنعه فقد جنينا عليه وإن لم نمسه
بأذًى، وإن كان هو برأسه فَلق رأسه..!