بقاؤها بعد أن استوثق الأمر وهل تسمى بعد إجماع الأمة عصياناً وخروجاً أو
معارضة يمثلها رجل سياسي؛ ثم يقول إن سعداً هذا كان لا يصلي بصلاة
المسلمين الخ، فهل يفهم القارئ من هذه التعمية إلا أنَّه كان يصلي بصلاة
النصارى أو اليهود، مع أن صريح المعنى فيها أن الرجل كان يصلي بصلاة
المسلمين لم يغير ولم يبدل، ولكنه يصلي وحده وفي بيته لا مع الجماعة في
المسجد؟.. ثم يقبول إن الجن قتلته غيلة في بعض أسفاره، والرجل لم يُقتل
وإنما"سار. إلى الشام وأقام بحوران إلى أن مات ووجدوه ميتاً على مغتسله، ولم يختلف المؤرخون في ذلك؛ وإنما يذهب شيخ الجامعة إلى جعل القتل سياسيا لمكان "المعارضة" حتى يحسن التلفيق وهذا أفضح لجهله، فما حاجة المسلمين إلى فتل رجل ضعيف مغترب وقد استقر الأمر وبويع أبو بكر ثم بويع عمر ومضت سنتان على ذلك ولم يُقتل، ولا فتنة ولا خلافَ ولا شيء مما يدعو إلى القتل غيلة؟
ثم يقول إن السياسة التي قتلته أنطقت الجن بذينك البيتين، وأنهم
تحدثوا وروَوا؛ وكل ذلك جهل من الأستاذ؛ والخبر أن قريشاً وضعت فيما
وضعت من الشعر بيتاً نحلته الجن في سعد بن عبادة وسعد بن معاذ، فزعموا
في أول الإسلام، أنهم لسمعوا صائحاً يصييح ليلاً على جبل أبي قُبيس:
فإن يُشلم السعدانِ يُصبِح محمدٌ. . . بمكة لا يخشى خِلافَ مخالِف
لما كان لهذين الرجلين من الشأن والخطر في قومهما، حتى إن النبي - صلى الله عليه وسلم - اششارهمافي غزوة الخندق دون سائر الناس، فلما كانت هذه من أولية سعد زعم ابن سيرين في قَصصه أنه لما مات بالشام عُرف خبر موته في المدينة
"بالتلغزاف. . . " ولا تلغرافَ يومئذ إلا من الجن، فزعم أنهم لم يشعروا بموته بالمدينة حتى سمعوا قائلاً من بئر وأنشد البيتين؛ فأنت ترى لطف الصنعة في هذه الواية ورقتها وحسن سبكها، فإن الصائح الأول قبل إسلام سعد كان على ظهر - جبل والصائح الآخر بعد موته كان في قعر بئر. . . وكل ذلك تعظيم
لشان سعد، ولا سياسة ولا قتل ولا زندقة، وإنما قيل في الشعر - قد قتلنا -
لأن عبارة ابن سيرين في ذلك أن الرجل كان قائماً يبول فاتكأ فمات، فهذه
الفجأة هي ما يسمونه قتلاً من الجن، وهي كثيرة في أخبارهم؛ ولا يذهبن
عنك أنه إذا صح أن الرجل قتلته السياسة فما قتله إلا عمر بن الخطاب، وما
أشنعها تهماً أخزى الله قائلها!
ويبقى بعد كل هذا أن شيخ الجامعة قد جانب الفكر وترك التحليل في
هذه الحادثة مع أنه كثيراً ما يقول في كتابه: "وفِقهُ هذه الرواية "كيت ذيت" فما