في القرن الثالث، ثم ينفي طه كل ما قيل من ذلك كأنه على ثقة من أن العرب لم يعمَّر منهم أحد، مع أن في زماننا هذا من ارتفعت به السن إلى قرن ونصف، فلو كان هذا شاعراً فماذا يمنعه أن يقول في هرمه وامتدادِ العمر به.

وثقل الحياة عليه وتبرمه بها ما قال أولئك أو شبيهاً بما قالوا؟

ومن غفلة أستاذ الجامعة وهي من الأدلة الكثيرة على سوء فهمه وتعلقه

بأول خاطر وأنه لا يتبين أسباب المعاني ولا يحققها - أنه يقيسى على ظاهر

الرأي كيفما وقع له؛ فلا يذكر أن العرب قوم لا حساب عندهم ولا يؤرخون إلا الحوادث الكبر، فإذا عُمر شيخ منهم وبلغ خمسين ومائة سنة مثلاً - وهو عمر طبيعي - حسبها ثلاثمائة أو تزيد، وخاصة إذا خَرِف وأسرف وبَعدَ ما بين فكره ولسانه أو أراد التهويل على عصره وقبيلته؛ وكيف يعرف مثلُ هذا حقيقة سنة وما يعد ولا يكتب ولا يحسُب ولا عنده من يدون له، ولا في قبيلته من يحفظ

من التاريخ أو يردُّ منه شيئاً إلى أصل بعيد..

فالرواة إنما نقلوا من هذا ونحوه وما انتهى إليهم فإن كان فيه الكذب ففيه الصدق، وإن كان فيه الموضوع ففيه الصحيح؛ وما كانت المبالغة سبباً من أسباب العدم، بل هي بعض أسباب

الوجود، ولا بد في المنحول من أصل يقاس عليه وصحيح يبالغ فيه، وهذا كله فهمه الجاحظ، فهو لا يرد ما ورد من ذلك، لأن معناه غير بعيد ولا مستحيل.

ولا يثبته بعينه لأنه ليس معه دليل قاطع.

ولو كان الجاحظ ضعيف الفهم قليل

الاطلاع بعيداً من آداب العلماء لوافق في الرأي أستاذ

الجامعة وتحامق وكذب وسب الرواة وتهزأ بهم كما فعل هذا.

ومن العجائب أن طه يتوارد أيضاً في طريقة الاستنتاج مع الرافضة

ويطابقها مطابقة النعل للنعل؛ ولا تستبعدن ذلك ما دام كِلا الفريقين أسقط

الإيمان من حسابه "وتجرد من دينه" عند البحث والرأي؛ وكأن شيخ الجامعة

يقيس على نفسه فلا يصدق أنه كان في الأمة الإسلامية قوم يؤثرون الله ورسوله على كل وساوس النفس وأهوائها، وليس عنده إلا العصبية والميل مع طبع الجاهلية حتى في إمام أهل الحق عمر بن الخطاب، وقال الشيخ في صفحة 53

وقد ذكر الرواةُ أن عمر مر ذات يوم فإذا حسان في نفر من المسلمين يُنشدهم شعراً في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بأذنه وقال: أرُغاء كرغاء البعير، قال حسان:

إليك عني يا عمر! فوالله لقد كنت أنشد في هذا المكان من هو خير منك!

فيرخي عنه عمر ويمضي..

قال: وفقهُ هذه الرواية يسير لمن يلاحظ ما قدْمنا من أن الأنصار كانوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015