عندي نسخة من كتاب " كليلة ودمنة " ليس مثلها عند أحد، ما شئتُ من
مَثل إلا وجدته فيها، وقد رجعت إليها اليوم. (13 مايو سنهَ 1926) فأصبت فيها هذه الحكاية.
قال كليلة: أما تضرب لي المثل الذي قلتَ يا دمنة؟
قال دمنة: زعموا أن سمكة في قدر ذراع كانت في غدير، فلما سال به السيلُ جرى بها الماء إلى نهر قريب، فدخلها الغرور فقالت: هذا لعمري ميراث أبي قد كنت عنه غافلة، وما أكثر ما يضيع التهاون والعجز! ثم إنها لبثت في النهر ما شاء الله حتى خرج بها
التيار إلى البحر، فقالت: يا ويلتا، أعجزت كل هذا العمر عن ميراث
أعمامي! . . . ثم ما زالت فىِ ميراث أعمامها حتى قذف بها الماء إلى المحيط
فاتسع لها منه ما يسعها. . . فقالت: قبَّح الله العجز ولو من كسل وهُوَينا، لقد كدت أسلَبُ ميراث أجدادي! . . . لولا أن من دمهم فيّ لم يزل يدفعني ولم يزل يسمو بي. ثم إنها طفت يوماً على الماء فإذا الأسطول الإنجليزي يمخر العُباب إلى جبل طارق في عشر بوارج وعشرين مدرعة ومائة سفينة طوربيد وخمسين غواصة، فطار بها الغيط قِطعاً وقالت: مَن هذا الوقح المتهجم على ميراث أجدادي لا يخشى أن يقتحم علي وقد حميتُ هذا الملك من حيث يجري الماء إلى حيث يبلغ الماء؛ ثم إنها شدت نحو الأسطول وهي تخبط بذنبها من الغيظ تريد أن تضربه بهذا الذنب ضربة تلوي به، ولكن الأسطول كان بعيداً، ثم إنه كان سريعاً، ففاتها فقالت: أولى لك، ما نجا بك والله إلا حِدة الهرب وسرعة الفرار.
قال دمنة: ثم اضطجعت على الماء تسكن من غضبها فنامت واسترخت.
فمر بها زورق صيد، فما أحست إلا الشبكة وقد أخذتها، فغاصت في الماء
وجعلت تختبط عالية سافلة لا ترى مذهباً ولا مفرًّا، فلما أعياها ذلك وبلغ منها