اليهود والعرب، وبين الإسلام واليهودية وبين التوراة والقرآن. . . فهل في
الجهل أوسع مْن هذا؟
والعجب أن شيخ الجامعة مع كل هذا الخلط وكل هذه الحماقة يقول في
صفحة 126: "القرآن وحده هو النص العربي القديم الذي يستطيع المؤرخ أن يطمئن إلى صحته ويعتبره مشخصاً للعصر الذي تلي فيه، فأين الشك الذي ابتلي به هذا الرجل، وكيف يستطيع على قاعدته في البحث والتحليل "ووضع علم المتقدمين كفه موضع الشك" أن يثبت هذا القول؛ وهل هو يجهل أنه كان قبله بزمن بعيد قوم "يجدون في الشك لذة وفي القلق والاضطراب رضا" وهم الرافضة، وقد شكوا في نص القرآن وقالوا إنه وقع فيه نقص وزيادة وتغيير وتبديل؛ فإذا أخذ طلبة الجامعة المصرية بقاعدة الشك التي يقررها أستاذهم ويريد أن ينشئهم عَليها فهل يصدقون طه حسين أم يصدقون الرافضة؟
وما الذي يجعل طه أصدق منهم أو يجعلهم أكذب منه ما دام الأمر إلى الشك والتعسف؟
يعتقد الأستاذ أن القرآن يمثل العصر الجاهلي " ويشخصهُ"، وأنه أصدق
مرآة للحياة الجاهلية - ص 16 - وأن العصر الجاهلي القريب من الإسلام لم
يَضع، وأنَّا نستطيع أن نصوره تصوراً واضحاً قوياً صحيحاً، بشرط أن لا نعتمد على الشعر، بل على القرآن من ناحية والتاريخ والأساطير. . .
من ناحية أخرى - ص 8 - ومعنى هذا الخلط مضافاً إلى ما تقدم وإلى قوله في ص 83: "ليس يعنيني أن يكون القرآن تأثر بشعر أمية - ابن أبي الصلت - أو لا يكون، أن القرآن عند هذا الرجل كتاب أشبه بالكتب التي يضعها المؤلفون فتكون تمثيلاً للعصر الذي وُضعت فيه لأنها صادرة عن فكر متأثر بالأسباب الكثيرة التي أنشأت العصر نشأته الخاصة به والمميزة له، مؤثرة بهذه الأسباب عينها فيما يضعه ويؤلفه، كما ترى في إلياذة هوميروس مثلاً؛ وإذن فلم يبق معنى لما ورد فيه من أنه (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) .
ويلتحق هذا ومثله "بالأساطير التي استغلها الإسلام لسبب ديني" وتكون هذه هي عقيدة الجامعة المصرية في القرآن لا عقيدة طه حسين وحده، ما دامت الجامعة تدرس هذا وتقره وتمتحن الطلبة فيه وتجيزهم عليه.
هل يدري طه حسين معنى قوله تعالى: (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) ومعنى قوله (وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) ؟ وهل يفهم هذه البلاغة المعجزة التي يسجد لها البلغاء؛ إن معناها يا
أستاذ الجامعة أن القرآن لا يشخص عصراً ولا يمثله، بل هو كتاب كل عصر، وهو الثابت على كل عِلم وكل بحث وكل اختراع واستكشاف على مدى الأزمنة