ثم دعا بعد ذلك بالنفع بهذا المختصر، وأن يعصمه الله تعالى، أي: يمنعه من الزلل وأن يوفقه، فقال: (واللهَ أسألُ أن ينفع به من كتبه أو حَصَّلَه أو سعى في شيء منه، والله يعصمنا من الزلل ويوفقنا في القول والعمل).
فقدم اسم الله الكريم المنصوب بـ (أسألُ)، ليقتضي الاختصاص؛ أي: لا أسألُ إلا الله تعالى، وكرَّرَهُ ثانيًا تلذُّذًا (?) بذِكْرِه ورغبة (?) في إجابة دعائه؛ لأنه تعرض (?) لأمرٍ عظيمٍ ومُهِمٍّ (?) جسيم، لا يقدر على مثله إلا من أحاط بمذهب الإمام مالك رضي الله تعالى عنه عِلمًا وخِبرةً، وبكثرة اختلاف أصحابه رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وبعلومٍ غير ذلك. والمصنف -رَحِمَهُ اللهُ- حقيق بذلك، لكن لما كان الجواد قد يكبو، والصارم قد ينبو، والإنسان محل النسيان، دعا ثم أخذ - رحمه الله تعالى ونفعنا به - يعتذر ليُسَهِّلَ الله تعالى عليه ما طَلَبَه وقَصَدَه.
فقال متواضعًا: (ثم أعتذرُ لذوي الألباب من التقصير الواقع في هذا الكتاب، وأسأل بلسان التضرع والخشوع وخطاب التذلل والخضوع، أن يُنْظَرَ بعين الرضا والصواب) أي: لا بعين الغضب والخطأ، فإنه -رَحِمَهُ اللهُ- ما قصد بهذا المختصر إلا الخيرَ وجمعَ القول المفتى به في أمهات المذهب في مختصرٍ صغيرٍ حجمُه، كثيرٍ عِلمُه، سهلٍ حفظُه، سريعٍ إن شاء الله تعالى تناولُهُ وفهمُهُ، وإذا كان كذلك فيغتفر ما لعلَّه يَجِدُه فيه من المؤاخذة؛ لأن {الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، على أنَّ هذه المؤاخذة ليس المؤاخذ بها كذلك (?) بسببه.
ثم أذن من تَحَقَّقَ من متأمليه - إذا كان ذا علم، ودين، وعقل صحيح ذكيٍّ سليمٍ من الغرض - سهوًا، أو نقصًا أن يُكَمِّلَ، أو يصحِّح، فقال غير مصرِّحٍ بما قلناه تأدبًا، وتواضعًا: (فما كان من نقصٍ كمَّلوه، وما كان من خطأ أصلحوه، فقلَّما يَخْلُص مصنفٌ من الهفوات، أو ينجو مؤلفٌ من العثرات).