فلما كان من الغد، صبّحهم ابن ذى الكلاع فى ثمانية آلاف، أمدّهم بها عبيد الله بن زياد، وكان عبيد الله أنفذ إليه يشتمه، ويقول:
- «عملت عمل الأغمار، وضيّعت مسالحك وعسكرك. سر إلى الحصين بن نمير، حتّى توافيه، فهو أمير للناس.» فجاءه مددا، وغاديناهم القتال. فاقتتلنا قتالا لم ير الشيب والمرد مثله، وكان فينا قصّاص يقصّون، ويحضّون [1] ، ويقولون:
- «أبشروا عباد الله، فحقّ لمن ليس بينه وبين لقاء الله، والراحة من أبرام الدنيا، وأذاها، إلّا فراق هذه النفس الأمّارة بالسوء، أن يكون سخيّا بفراقها، مسرورا بلقاء ربّه.» فاقتتلنا اليوم الثاني كقتال أمس، ثمّ اقتتلنا اليوم الثالث [162] مثل ذلك، إلى أن كثرنا أهل الشام، وانعطفوا [2] علينا من كلّ جانب.
فلما نظر سليمان إلى ذلك قال:
- «عباد الله، من أراد البكور إلى ربّه، والتوبة من ذنبه، والوفاء بعهده، فإلىّ.» وكسر جفن سيفه، ففعل معه ناس كثير مثل ذلك، ومشى الناس بالسيوف، مصلتين، فقتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة، وجرحوا فيهم فأكثروا.
فلما رأى الحصين بن نمير صبرنا وبأسنا، بعث رجالا ترمى بالنبل، واكتنفهم الخيل والرجال. فقتل سليمان، وأخذ الراية المسيّب بن نجبة، فقاتل وأحسن وصبر صبرا لم ير مثله، وقاتل قتالا لم يسمع بمثله، وما ظنّ أحد أنّ رجلا واحدا