بالمراكب الثقال ويريد بجميع ذلك أن يسلموا له الرئاسة حتى لا يأنف أحد من تقبيل الأرض بين يديه والمشي قدّامه إذا ركب وكان جميع ذلك مما لا يؤثره الأستاذ الرئيس ولا يرضاه لسيرته وكان يعظه وينهاه عن هذه السيرة ويعلمه أنّ ذلك لو كان مما يترخص فيه لكان هو بنفسه قد سبق إليه.
ولقد سمعته فى كثير من خلواته يشرح له صورة الديلم فى الحسد والجشع وأنّه ما ملكهم أحد قطّ إلّا بترك الزينة وبذل مالا يبطرهم ولا يخرجهم إلى التحاسد ولا يتكبّر عليهم ولا يكون إلّا فى مرتبة أوسطهم حالا وأنّ من دعاهم واحتشد لهم وحمل على حالة فوق طاقته لم يمنعهم ذلك من حسد على نعمته [346] والسعى على إزالتها وترقّب أوقات الغرّة فى آمن ما يكون الإنسان على نفسه منهم فيفتكون به ذلك الوقت.
وكان يورد عليه مثل هذا الكلام حتى يظنّ أنّه قد ملأ قلبه رعبا وأنّه سيكفّ عن السيرة التي شرع فيها. فما هو إلّا أن يفارق مجلسه ذاك حتى يعاود سيرته تلك فأشفق الأستاذ الرئيس فى سفرته هذه أن يتركه بحضرة صاحبه فيلج فى هذه الأخلاق ويغترّ بما يراه من احتمال ركن الدولة حتى ينتهى إلى ما لا يتلافاه فسيّره معه واستخلف بحضرة ركن الدولة أبا علىّ محمد بن أحمد المعروف بابن البيع، وكان فاضلا أديبا ركينا حسن الصورة مقبول الجملة حسن المخبر خلقا وأدبا.
فلمّا كان فى بعض الطريق- وكان يركب العماريّات ولا يستقلّ على ظهور الدوابّ لإفراط علة النقرس وغيرها عليه- التفت حوله فلم ير فى