فاغتاظ وتداخله من النخوة والجبريّة ما سكت معه ولم يتكلّم بحرف ودخل إلى خركاه فى خيمة عظيمة واضطجع ثمّ حوّل وجهه إلى خلاف الباب والتفّ بكسائه لئلّا يكلّمه أحد. واجتمع الأمراء والكبار والقوّاد وسائر الجند والنظّارة ولم يجسر على خطابه أحد ولا على [481] تحريكه وأبطأ على الناس خروجه حتّى فات الوقت.
وأخذ الناس فى الإرجاف به فتحدّثوا سرّا وهمسا وخيفت الفتنة. فحينئذ مشى العميد حول الخركاه ودمدم بكلامه المقتضى للجواب فلم يتكلّم بحرف ولم يزل يدارى فى الكلام ويدعو له إلى أن اضطرّه إلى الجلوس ثمّ دخل إليه فقال:
- «أيّها الأمير ما هذا الكسل فى وقت النشاط وحضور الأولياء وفرح الصديق وانخزال العدوّ؟» فقال: «يا أبا عبد الله وأىّ نشاط يحضرني مع الاستخفاف والاستهانة وقصور الأمر؟ والله لقد افتضحت فضيحة لا يغسلها عنّى شيء أبدا.» قال [العميد] [1] : ودهشت ساعة ثمّ قلت:
- «أيّها الأمير وما ذلك؟» فقال: «أما ترى نزارة ما أمرت به من الاستكثار منه وقلّته ووتاحته [2] من الطعام والسماط [3] ثمّ من جميع آلات الوقود والأشياء المتصلة بها.» فقلت: «والله أيّها الأمير لقد عمل من هذه الأشياء ما لم يسمع بمثله فضلا عن أن يرى، فقم إلى مجلس أنسك وعاود النظر.»