قال: «قوم على بصيرة من أمورهم لتقدّم بيعتهم.» قال: «فما ظنّك بعامّته؟» قال: «قوم كانوا فى بلوى عظيمة من تحيّف ولاتهم فى أموالهم وأنفسهم صاروا به إلى الأمنة فى المال والرفاغة فى المعيشة، فهم يدافعون عن نعمة حادثة لهم، ويتذكّرون بليّة لا يأمنون العودة فى مثلها.» قال: «ما أراك أبقيت لنا موضع رأى فى اعتزالك أجنادنا، ثمّ أشدّ من ذلك ما قلت به من وهنة أجنادنا وقوّة أجناده وما تسخو [1] نفس أمير المؤمنين بترك ما يعرف من حقّه، ولا نفسي بالهدنة مع ما أقدمت [41] عليه فى أمره، وربّما أقبلت الأمور مشرقة بالمخافة، ثمّ تكشّفت عن الفلج والدرك فى العاقبة.» وتفرّقا.
أذكى العيون، وأقام الحرس على رأس الحدّ، فلا يجوز رسول من العراق حتّى يوجّهوه مع ثقات من الأمناء، ولا يدعه يستعلم خبرا ولا يستتبع بالرغبة ولا بالرهبة أحدا ولا يبلغ أحدا قولا ولا كتابا فحصّن أهل خراسان من أن يستمالوا برغبة أو أن تودع قلوبهم رهبة. ثمّ وضع على مراصد الطرقات ثقات من الأحراس لا يجوز عليهم إلّا من لا تدخله الظنّة فى أمره ممّن أتى بجواز فى مخرجه إلى دار مآبه، أو تاجر معروف مأمون فى نفسه ودينه ومنع الأشابات [2] من جواز السبل والقطع بالمتاجر، والوغول فى