ورغّبهم فى ما يصير إليه أهل الجهاد والاحتساب والصبر وما لهم فى الدنيا من الغنيمة والشرف إن ظفروا، وما لهم فى الآخرة من الثواب والنعيم الأبدىّ إن قتلوا.
ثم قال لهم:
- «اكعموا [1] دوابّكم وقودوها، فإذا دنوتم من القوم فاركبوا وشدّوا شدّة صادقة وكبّروا. وليكن شعاركم: «يا محمّد» ، ولا تتّبعوا مولّيا [584] فتتفرّقوا، وعليكم بالدوابّ فاعقروها، فإنّ دوابّ القوم إذا عقرت أشدّ عليهم منكم.
واعلموا أن القليل الصابر خير من الكثير الفشل، وليست لكم قلّة. إنّ سبعمائة سيف لا تضرب بها فى عسكر إلّا أوهنوه وإن كثر أهله.» وعبّأهم ميمنة وميسرة، وساروا حتّى إذا كانوا على غلوتين [2] كبّروا، وذلك فى السحر، وثار الترك وخالطهم المسلمون وانهزموا، فعقر المسلمون الدوابّ. عاد الترك وصابروا، فجال المسلمون وانهزموا، حتّى إذا صاروا إلى المسيّب وتبعهم الترك فضربوا عجز دابّة المسيّب. فترجّل قوم من المسلمين منهم البخترىّ، ومحمد بن قيس الغنوي وزياد الإصبهانىّ، ومعاوية بن الحجّاج وثابت قطنة، وكان على ميسرة المسيّب. فأمّا البخترىّ فقاتل حتّى قطعت يمينه فأخذ السيف بشماله فقطعت، فجعل يذبّ ببدنه حتّى استشهد. واستشهد أيضا محمّد بن قيس، وشلّت يد الحجّاج الطائىّ. ثمّ لم يصبر الترك وانهزموا. وضرب ثابت قطنة عظيما من عظمائهم، فقتله [585] ونادى منادى المسيّب:
- «لا تتبعوهم، فإنّهم لا يدرون من الرعب أتبعتموهم أم لا، واقصدوا القصر، ولا تحملوا للقوم شيئا من المتاع إلّا المال، واقصدوا من ضعف عن المشي