فأعز الأشياء عندي وجوداً صحة القول في الزمان المريض
وقوله:
منحتكم صدق المودة كاملاً ... وكان جزائي عندكم ظاهر النقص
كموجبة كلية إن عكستها ... فحاصلها جزئية عند ذي الفحص
ومن كلماته قوله: إذا وجب عن العلة البسيطة التي هي مثلاً " ى " معلولان هما " ح " و " ب " معاً ذاتيه (؟) لم تكن " ى " علة بسيطة.
كاتب فيلسوف مهندس شاعر من كتاب الأمير خلف بن أحمد (الذي) دوخ البلاد، وتعلق ببدر بن حسنوية.
ومن حكمه:
أن قل مالي فذاك من قب ... ل الأقدار إما اعتبرت لا قبلي
ويلزم اللوم في الخصاصة لو ... كانت تنال الحظوظ بالحيل
إن زال ما كنت فيه من عمل ... فإن ما كان في لم يزل
أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا البخاري أبوه رجل من رجال أهل بلخ من الكفاة والعمال، وانتقل إلى بخاري في أيام الأمير الحميد ملك المشرق نوح بن منصور، واشتغل بالتصرف، وتولى العمل بقربة خرميتن من ضياع بخاري، وتزوج أبوه إمرأة اسمها ستارة وولد أبو علي بهذه القرية في صفر سنة سبعين وثلثماءة، والطالع (السرطان) درجة شرف المشتري والقمر على درجة شرفه، والشمس على درجة شرفها، والزهرة على درجة شرفها، وسهم السعادة في كط من السرطان وسهم الغيب في أول السرطان مع سهيل والشعري اليمانية ثم ولد أخوه محمود بعده بخمس سنين، ثم انتقلوا إلى بخارى.
وأحضر أبو علي معلم القرآن ومعلم الأدب فلما بلغ عشر سنين حفظ أشياء من أصول الأدب، وأبوه كان يطالع ويتأمل رسالة إخوان الصفا وهو أيضاً أحياناً يتأملها، وأبوه يوجهه إلى بقال يبيع البقل، ويعرف حساب الهندسة والجبر والمقابلة، يقال له محمود المساح.
ثم توجه تلقاء بخاري الحكيم أبو عبد الله الناتلي، وقد سبق ذكره فأنزله أبوه وآواه وأكرمه، وكان أبو علي يختلف في الفقه إلى إسماعيل الزاهد، ويتلقف مسائل الخلاف ويناظر ويجادل. ثم ابتدأ أبو علي بقراءة كتاب ايساغوجي على الناتلي حتى أحكم عليه المنطق، ثم ابتدأ بكتاب أوقليدس ثم المجسطي.
فلما فرغ الناتلي من تعليمه توجه تلقاء خوارزم قاصداً حضرة خوارزم شاه مأمون بن محمد مولى أمير المؤمنين. واشتغل أبو علي بتحصيل العلوم من الطبيعي والآلهي، ونظر في النصوص والشروح، وانفتحت عليه أبواب العلوم، ثم رغب في علم الطب وتأمل الكتب المصنفة فيه. وعلم الطب ليس من العلوم الصعبة فلا جرم صار فيه في مدة قليلة عديم المثيل، فقيد القرين والنظير.
وفضلاء الطب يختلفون إليه، ويقرؤون عليه المعالجات المقتبسة من التجربة، وهو مع ذلك يختلف في الفقه إلى إسماعيل الزاهد الفقيه. فلما جاوز اثنتي عشرة سنة من مولده أقبل بعد ذلك سنة ونصف سنة على العلوم، وأعاد قراءة المنطق وجميع أجزاء الفلسفة وفي هذه المدة ما نام ليلة واحدة بطولها، ولا اشتغل في النهار بشيء سوى المطالعة، وجمع بين يديه ظهوراً من القراطيس، وكل حجة ينظر فيها يثبت مقدماتها القياسية، ويكتبها في تلك الظهور، وراعى شرائط المقدمات وفضل ما هو منتج مما هو عقيم. وإذا تحير في مسألة وما ظفر فيها بالحد الأوسط تردد إلى الجامع وصلى وابتهل إلى الله تعالى حتى يفتح الله تعالى له المنغلق منها. وكان يعود كل ليلة إلى داره، ويضع السراج ويشتغل بالقراءة والكتابة. فإذا غلبه النوم أو ابتدره ضعف مزاج شرب قدحاً من النبيذ. وكان الحكماء المتقدمون مثل أفلاطن وغيره زهاداً وأبو علي غير سنتهم وشعارهم، وكان مشغوفاً بشرب الخمر، واستفراغ القرى الشهوانية، ثم اقتدى به في الفسق والانهماك من بعده.
وأحكم جميع العلوم، ووقف عليها بحسب الإمكان الإنساني. وكل ما علمه في ذلك فهو كما علمه لم يزدد إلى آخر عمره، حتى فرغ من المنطق والطبيعي والرياضي. و (لم) يبالغ في علم الرياضي لأ (ن) من ذاق حلاوة المعقولات بضن بصرف فكره في الرياضيات. إلا فيما يتصوره مرة واحدة ويتركه.