بن يوسف ابن أخي البديع طبيب مبارك أعلى ذكره السلطان الأعظم سنجر، وفاز منه بقربه وكرامته وخلعته.
وكان مقدم الأطباء، عالج السلطان مراراً بعد ما اشتدت علته، وضعفت قوته. وله شأن عجيب في المعالجة، وتجربة لطيفة وكان من أحسن الناس وجهاً.
تمسك بحبال الأخلاق الجميلة، وحط رحاله بمربع الفضيلة. وقال الأجل عزيز الدين أفضل الممالك أبو الفتوح علي بن فضل الله الطغرائي: كل مريض مر هذا الفاضل على باب داره فضلاً عن معالجته فقد فاز بالشفاء.
وقال الحكيم أبو الخير في كتاب امتحان الأطباء: إنه يجب أن يكون الطبيب حسن القد، صحيح الأعضاء، متناسبة في مقاديرها حسنة في شكلها، قوية في وضعها، معتدل المزاج، ناعم الكف، وإن تكون الفرج بين أصابعه واسعة، ولونه مائلاً إلى البياض، مشرب الحمرة، معتدل الشعر في الكثرة والقلة والسباطة والجعودة، أشهل العينين، يخالط نظره دائماً سرور وفرح، وفيه بشاشة وطلاقة. فأما في نفسه فإن يكون ذكياً ذكوراً، جيد التصور، قوي الحدس والتخمين صبوراً على التعب والنصب في درك الحق من الأمور، كتوماً متحملاً ما يسمعه من المرضى.
وهذه الأوصاف موجودة في الأعز بهاء الدين ونجيب الدين أبي بكر أبقاهما الله تعالى.
كان سليل الأكاسرة، عالماً بأجزاء علوم الحكمة جليلها ودقيقها، مع طبع وقاد في الشعر العربي والفارسي. وذكرت طرفاً من اشعاره في كتابي المعنون بوشاح دمية القصر. وقد اختلف مدة إلي، ثم إلى قطب الزمان، ومات حتف أنفه في داره بنيسابور. وقد دعاه ملك الوزراء طاهر بن فخر الملك إلى مرو للإرتباط بالحضرة. فرأيته في منامي بعد موته وهو يقول لي: أنا في عقوبة شديدة، بسبب رغبتي في المقام بالحضرة، وما كان لي بسوى هذه الرغبة التفات إلى الدنيا.
ومن كلماته: تتغير الدار ولا يتغير مالك الدارين.
وقال: الشرير يباهي بالشر، والخير يستحي من الخير، فما أبعد أحدهما عن الآخر.
طاف وساح، ومسح أكثر الأقاليم بإقدامه طلباً للحكمة البالغة، وكان في الأدب تلو الجوهري وابن فارس.
وقد جرى بيني وبينه كلام في أنه يجب أن يتقدم على التصديق تصوران أو ثلاث تصورات، وقد ذكرت ذلك في كتاب (شرح) النجاة من تصنيفي.
ومن فوائده: الملك الحق القيوم أول فكر العارفين وآخره لاسفر أحسن من سفر العقل في الملكوت الأعلى من انطبع في فص خاتم استعداده نقوش الحقائق فقد ذاق اللذة القصوى.
كان والده وزير أتسز وهو تركي استولى على خوارزم. وكان محمود أديباً فاضلاً كاملاً، استفاد من الحكيم أبي البركات، ورأيته بمرو في شهور سنة تسع عشرة وخمسمائة، (وقد) استولى عليه نوع من السويداء فذبح في ليلة من ليالي الشتاء شخصه بسكين القلم.
ومن فوائده قبل جنونه قوله: إذا استرشد البصير بعين المكفوف ضل وهلك. وقال: من أراد من الوهم مطابقته للعقل في جميع الأحوال كان كسميع استخبر من أصم أو سميع أراد أن يسمع الأصم جميع ما يقوله السميع. للإبصار غشاوة، وللقلوب قساوة، جلاؤهما رفعهما بالأخلاق الجميلة الحكمة طعام أغذى وأمرأ على الشبع.
كان غلاماً محبوباً رومياً لعلي الخازن المروزي، وحصل علوم الهندسة وكمل فيها، والمعقولات ما وافقت طبعه مع جهده في تحصيلها، وهو الذي صنف الزيج المعنون بالمعتبر السنجري وجميع ما فيه من الأوساط والتعديلات، فيه بحث في تقويم عطارد خصوصاً في حال رجوعه فإنه موفق الروية والإمتحان (كذا) وكان نقي الجيب عن الأطماع الخسيسة، بعث السلطان الأعظم سنجر إليه ألف دينار على يد الأمير الإمام شافع الطبيب فرده وقال: لا أحتاج إليها، وبقي لي عشرة دنانير، ويكفيني كل سنة ثلاثة دنانير، وليس معي في تلك الدار إلا سنور.
وكان عبد الرحمن يأكل اللحم في كل أسبوع ثلاث مرات ويتغذى كل يوم بجردقين. وبعثت إليه زوجة الأمير لاحي آخور بك الكبير ألف دينار فردها أيضاً.