ومن كلماته: اجعل نفسك كالمفارقة حتى لا تؤذيك مفارقتها وقال: الصبر على مقساة ما تكرهه أيسر وأهون من دفع ما تكرهه.
وقال: من طلب لذة عقلية فليس له أن يطلب لذة حسية تمنعه عنها، كي لا يكون كمن باع الذهب بالخزف.
القاضي الفيلسوف كان من تلامذة الأديب أبي العباس، وكان ماهراً في صناعة الهندسة عالماً بالمعقولات، ولم يكن له خاطر وقاد، وكان لا يعدل عن ظواهر الكتب.
وقد جرت بينه وبين الأمير السيد شرف الزمان محمد الإيلاقي مناظرات لم يتعرض فيها القاضي عبد الرزاق إلا لظواهر الكتب.
وكان حافظاً لأكثر كتب أبي علي، عالماً بمطالب مصنفاته، لكن لم يتعمق في المعقولات مثلما تعمق فيها علماء دهره.
وبيني وبينه مكاتبات مذكورة في كتاب عرائس النفائس من تصنيفي ومن حكمه قوله: إذا أردت أن تعرف مثالاً لترتيب الوجود فانظر إلى الخليفة ينصب السلطان، والسلطان ينصب الوزير، والوزير ينصب الأمير، والأمير ينصب الوالي، والوالي ينصب القاضي، والقاضي ينصب المزكي والعدول. فترفع الرعية المظالم إلى القاضي، والقاضي إلى الوالي، والوالي إلى الأمير، والأمير إلى الوزير، والوزير إلى السلطان، والسلطان إلى الخليفة الذي أثر خلافته مبين.
وقال: السعادة الخيالية ألذ من لذة الملك، فكيف السعادة العقلية.
وكان القاضي عبد الرزاق ببخاري يدرس في مسجد محلته الطب والحساب حتى توفي بها. وكان محترماً مكرماً.
لسيد الإمام الفيلسوف اجتمعت فيه الفضائل بأسرها العلمية والعملية وله تصانيف كثيرة مثل كتاب (اللواحق) ومثل كتاب دوست نامه وكتاب سلطان نامه وكتاب في اعداد الوفق وكتاب الحيوان وغير ذلك. وله رتبة عالية في الإفادة والإنصاف والتمييز، وكان مباركاً حسن المعالجة، وكان مقيماً بباخرز ثم ارتبطه علاء الدين بن قماج ببلخ، وقتل في مصاف كورخان بقطوان.
ومن كلماته: أنفس الحيوانات ساجدة للأنفس الإنسانية التي هي خلائف الأرض، وجازت على الصراط الأول، فإذا كملت بالعلوم فهو جوازها على الصراط الثاني.
الانخداع في صغار الأمور من علو الهمة، والحرص على المحقرات من الفضائح.
الفلسفة علم الكل، وصناعة الصناعات، كما قال أمير الأمراء والمتفلسف المتشبث بالمبادئ على حسب الطاقة.
وقد اختلف شرف الزمان إلى الأمام عمر الخيام والي غيره.
القاضي الإمام الفيلسوف سرد الشريعة والحكمة في نظام، وكان من ساوة فارتحل إلى نيسابور وتوطن بها وتعلم، وكان يأكل من كسب يده، ويرتفق بالنسخ ويبيع نسخة من كتاب الشفاء بخطه بمائة دينار. وحكى لي الأجل نجيب الدين أبو بكر الطبيب النيسابوري أن القاضي عمر قال له: طالعي الميزان، وكان يوماً من الأيام قران الرأس والزهرة على درجة طالعي فقلت أفوز في هذا اليوم بحظ جسيم.
وكان قد أشكل علي شكل من المقالة العاشرة من أوقليدس فغلبني النوم فنمت، فرأيت في المنام شيخاً قيل إنه أوقليدس النجار فقلت له: أسألك عن شيْ فقال: سل، فسألته عن الشكل المشكل علي فقال لي: عد إلى شكل كذا حتى يتبين لك ذلك الشكل، فانتبهت وتوضأت وصليت، وتأملت هذا الشكل المرجوع إليه فتبين لي، وعلمت ما كنت أجهله.
وللقاضي عمر تصانيف كثيرة منها البصائر النصيرية في المنطق، وكتاب آخر في الحساب، ورسائل متفرقة، وله تصانيف أخر أحرقت مع بيت كتبه بساوة بعد وفاته حداداً له.
وكنت اختلف إليه فأراه بحراً مواجاً من العلوم، ومما كتبه إلى (من) رسالة له: كن (من) الزمرة المنسلخين عن جلدة النسب والألقاب، الواضعين عن أكتافهم أوزار الأعقاب، النافضين عن كواعلهم غبرة الدهور والأحقاب، فهذه عادة قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها.
وقال: (ليس) المحسن من توخى بالإحسان المحسن دون المسي. اتق من الشر اليسير فإن اليسير يدل على الكثير.
لا تطمع فيما لا يكون، ولا تيأس مما يمكن أن يكون الخوف رمز ليس لأحد استقامة إلا به، فمن لم يخف الله خاف من كل واحد، ومن لم يخف عار الرذائل لم يكتسب الفضائل.
هو الطبيب ببغداد وكان حكيماً حلو الشمائل، حسن الآداب.