وكان أبو علي بن الهيثم ورعاً متعبداً، معظماً لأوامر الشريعة، وكان يقول في بعض رسائله: تخيلنا أوضاعاً ملائمة للحركات السماوية فلو تخيلنا أوضاعاً أخرى غيرها ملائمة أيضاً لتلك الحركات لما كان لذلك التخيل مانع، لأنه لم يقم البرهان على أنه لا يمكن أن يكون سوى (هذه) الأوضاع أوضاع أخرى ملائمة مناسبة لهذه الحركات. وطول الكلام، وهذه الرسالة آخر تصانيفه.

واتفق أن قد عرض له إسهال دموي، وكلما تناول شيئاً من القابضات مثل رب السفرجل وقرص التباشير وغير ذلك قاء فأيس من نفسه وقال: ضاعت الهندسة، وبطلت المعالجة وعلوم الطب، ولم يبق إلا تسليم النفس إلى خالقها وبارئها.

ثم توجه تلقاء القبلة بعد ما قاسى الإسهال بأسبوع وقال: إليك المرجع والمصير يا رب، عليك توكلت وإليك أنبت. ومات.

ومن كلماته قوله: إبذل لمعارفك (ودك) ، وللمستفيد علمك، واحرص عرضك ودينك.

إذا وجدت كلاماً حسناً لغيرك فلا تنسبه إلى نفسك، واكتف باستفادتك منه، فإن الولد يلحق بأبيه، والكلام بصاحبه، وإن نسبت الكلام الحسن الذي لغيرك إلى نفسك فسينسب غيرك نقصانه ورذائله إليك.

الإنسان مجبول على أن يتباعد ممن دنا منه، ويدنو ممن تباعد عنه موعظة الحكماء وإن قلت منفعتها عظيمة.

الحكيم أبو سهل الكوهي

كان في ابتداء أمره ممن يلعب في الأسواق بالقوارير، فأدركته عناية أزلية، فبرز في علم الحيل والأثقال والاكر المتحركة و (كان) في تلك الصنائع عديم المثيل مشاراً إليه. فتعلم الأدب على كبر سنه وصنف الكتب، واختلف إليه (لفيف) كبير من المستفيدين، وكان جميل الهيئة.

ومن كلماته في رسالة له: إن اعتذر إليك معتذر فقابله بوجه طليق إلا أن يكون ممن قطيعته غنم.

سلاحك على أعدائك أن تكون الحجة معك في كل أمر.

وقال: من أراد السلامة فلا يظهرن حب السلامة من نفسه، حتى (لا) يجترئ عليه خصمه وعدوه.

الحكيم أبو محمد العدلي العايني

صاحب الزيج العدلي، وكان مهندساً كاملاً ولم يكن له في غير المعقولات نصيب، وكان أديباً ماهراً وله تصانيف منها الزيج العدلي، ومنها كتاب في المساحة، ومنها كتاب في الجبر والمقابلة. وهو قد هذب الزيج البتاني أحسن تهذيب. وكان مرجعه في ذلك التهذيب إلى الزيج الأرجاني ووجدت نسخاً كثيرة من الزيج الأرجاني بخطه ومن كلماته قوله في بعض كتبه: ليس الجصاص كالباني، ولا الباني كالمهندس، فالمهندس بطلميوس والباني هو البتاني، ومرتبتي مرتبة الجصاص وقال: قطع الكلام بعد افتتاحه سخف، والسخف دناءة.

ابن أعلم الشريف البغدادي

هو بغدادي المنشأ والمولد، وكان شريفاً من أولاد جعفر الطياروبه نزق. فصنف الزيج المنسوب إليه، واتفق المهندسون بأسرهم على أن تقويم المريخ من زبحه أصح وأقرب إلى التحقيق، ولكنه ألقى الزيج الذي له يوماً في الماء فلم يوجد منه إلا نسخة سقيمة، وكان عالماً بالهندسة وأجزائها، عارفاً بالقانون الفيثاغوري من الموسيقى.

ومما نقل عنه، وإن كانت أخلاقه أخلاق المجانين قوله: كن إما مع الملوك مكرماً، وإما مع الزهاد متبتلاً.

وأقول هذا كلام رصين، حوله من الحكمة حصن حصين، ولكنه رمية من غير رام.

أبو الحسن كوشيار

بن ليان بن باسهري (؟) الجبلي يروى لبان ويروى ليان بلغة الجبل الأسد. كان مهندساً ملء إهابه، داخلاً بيوت هذا الفن من أبوابه، وكفاه معرفاً زيجه المعنون بألغ، ثم زيجه المعنون بالجامع، ثم مجمله في علم النجوم ثم سائر تصانيفه كمثل معرفة الإصطرلاب وعمله وغير ذلك. وخالفه بعض المهندسين في تقويم المريخ فاستخرج جدولاً وسماه إصلاح تعديل المريخ.

ومما نقل عنه قوله: إذا طلب رجلان أمراً واحداً ناله أسعدهما جداً من لم يعرف عيوبه لم يكن مشفقاً على نفسه.

محمد بن أيوب الطبري

صاحب الزيج وأمثلة الأعمال النجومية، وكان صاحب دولة وحظ ورأيت له رسالة إلى بعض أكابر الري فيها: المروءة والصبر يقويان الضعيف ويسهلان العسير ويثمران نيل المطلوب، ويخففان عن صاحبه ثقل كل مؤنة.

أبو الصقر عبد العزيز بن عثمان

القبيصي الهاشمي لم يصنف في النجوم أحسن وأتقن من مدخله، فهو في كتب النجوم مثل كتاب الحماسة بين الأشعار.

ومن كلماته قوله: ثق بمودة من يكرمك لعلمك فإن علمك لا يزول عنك، والمال والجاه زائلان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015