يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ التَّوْقِيتَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ، وَلَوْ شُرِطَ خِيَارُ التَّعْيِينِ لِلْبَائِعِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا قَالُوا وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الزِّيَادَاتِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ خِيَارٌ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِلْمُشْتَرِي فَكَذَا لَهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ جَوَّزَ لِلْمُشْتَرِي لِلْحَاجَةِ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِلْبَائِعِ ثُمَّ إذَا كَانَ خِيَارُ التَّعْيِينِ لِلْمُشْتَرِي وَقَبَضَهُمَا فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَعَيَّبَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِيهِ بِثَمَنِهِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْعَقْدِ أَحَدُهُمَا وَاَلَّذِي لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ قَبَضَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ لَا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَلَا بِطَرِيقِ الْوَثِيقَةِ فَكَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لِلْأَمَانَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ أَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِلْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَا يَعْجِزُ عَنْ الْإِيقَاعِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْهَلَاكِ وَبَعْدَ الْهَلَاكِ لَمْ يَبْقَ الْهَالِكُ مَحَلًّا لِلْإِيقَاعِ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لَهُ لِبَقَاءِ الْمَحَلِّيَّةِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلْبَيْعِ وَلَمْ تَبْطُلْ مَحَلِّيَّتُهُ فَتَعَيَّنَ لَهُ وَهَذَا الْفَرْقُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي بَقَاءِ الْمَحَلِّيَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ غَيْرَ أَنَّهُ فِي الْبَيْعِ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ فَتَعَيَّنَ هُوَ لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لَهُ.
وَفِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ كَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْإِيقَاعِ قَبْلَ الْمَوْتِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ فَبَقِيَ مُخَيَّرًا إلَى الْهَلَاكِ فَإِذَا هَلَكَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لَهُ فَلَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ لَوَقَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُمَا لَا يَقَعَانِ بَعْدَهُ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِي ضَرُورَةً هَذَا إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، وَإِنْ هَلَكَا مَعًا يَلْزَمُهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِشُيُوعِ الْبَيْعِ وَالْأَمَانَةِ فِيهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِجَعْلِ أَحَدِهِمَا مَبِيعًا أَوْ أَمَانَةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُتَّفِقًا أَوْ مُخْتَلِفًا، وَكَذَا لَوْ هَلَكَا عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَا يَدْرِي الْأَوَّلَ مِنْهُمَا يَجِبُ ثَمَنُ نِصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا قُلْنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَيَّبَا وَلَمْ يَهْلَكَا حَيْثُ يَبْقَى خِيَارُهُ عَلَى حَالِهِ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَحَلٌّ لِابْتِدَاءِ الْبَيْعِ فَكَذَا لِلتَّعْيِينِ بِخِلَافِ الْهَالِكِ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ.
قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَيَا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا لَا يَرُدُّهُ الْآخَرُ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَهُ إذَا أَجَازَ الْآخَرُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ لَهُمَا أَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا إثْبَاتُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْغَبْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَاجٌ إلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَلَوْ شُرِطَ خِيَارُ التَّعْيِينِ لِلْبَائِعِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَعْنِي الْبَيْعَ فِي أَحَدِهِمَا لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بُيُوعِ الْأَصْلِ وَلَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ كَيْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ جُوِّزَ لِلْمُشْتَرِي لِلْحَاجَةِ) أَيْ إلَى اخْتِيَارِ الْأَرْفَقِ وَالْأَوْفَقِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِلْبَائِعِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ مَعَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَيَرُدُّ جَانِبَهُ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ اهـ كَيْ.
(قَوْلُهُ: فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَعَيَّبَ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِثَمَنِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَلَوْ هَلَكَ الْكُلُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ) فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَكُونُ الْآخَرُ أَمَانَةً حَتَّى إذَا هَلَكَ لَا يَغْرَمُ لِأَجْلِهِ شَيْئًا وَلَا يَكُونُ هُوَ أَدْنَى مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ قُلْت إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا لَا غَيْرُ، وَإِنَّمَا قَبَضَ الْآخَرَ لِيَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعَ إذَا تَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا لَا لِيَتَمَلَّكَهُ وَلَا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَقَدْ تَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا هُنَا فَبَقِيَ الْآخَرُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ لَا عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِسَبَبِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ مَا نَصُّهُ حَتَّى إذَا هَلَكَ بَعْدَ هَلَاكِ الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ هَلَكَا مَعًا إلَخْ) أَيْ وَلَوْ كَانَ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ فَهَلَكَتْ مَعًا يَلْزَمُهُ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لِمَا ذُكِرَ ك.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ هَلَكَا عَلَى التَّعَاقُبِ إلَخْ) وَإِنْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَلَكِنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِيهِ فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُتَّفِقًا، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُخْتَلِفًا بِأَنْ يَكُونَ ثَمَنُ أَحَدِهِمَا عَشَرَةً وَثَمَنُ الْآخَرِ عِشْرِينَ فَقَالَ الْبَائِعُ هَلَكَ الَّذِي ثَمَنُهُ عِشْرُونَ أَوَّلًا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي هَلَكَ الَّذِي ثَمَنُهُ عَشَرَةً أَوَّلًا كَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ يَتَحَالَفَانِ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَاهُ صَاحِبُهُ وَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا هَلَكَا مَعًا وَلَزِمَهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ صَارَ دَيْنًا عَلَى الْمُشْتَرِي هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ فَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْفَضْلَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْهَالِكِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِابْتِدَاءِ الْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِتَعَيُّنِهِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ) أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ يَعْنِي إذَا اشْتَرَيَا شَيْئًا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ بِخِيَارِ الْعَيْبِ بِدُونِ صَاحِبِهِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ رَجُلَانِ اشْتَرَيَا شَيْئًا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِهِمَا لَهُ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى قَالَ يُؤْمَرُ الْآخَرُ بِرَدِّهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَقِيهِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ الرَّدِّ أَرَادَ إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ فِي الْفَسْخِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْكُلِّيَّ مِنْ إثْبَاتِ الْخِيَارِ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ وِلَايَةُ الرَّدِّ لَا الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَوْ كَانَ لِلْإِجَازَةِ مَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَى الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ يَتِمُّ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ بِلَا خِيَارٍ فَإِذَا كَانَ الرَّدُّ هُوَ الْمَقْصُودُ وَقَدْ شُرِطَ لَهُمَا جَمِيعًا يُؤْمَرُ صَاحِبُ الرَّدِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ إبْطَالُ حَقِّ الرَّدِّ. اهـ. .