كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمُوَرِّثَ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ سَلِيمًا فَكَذَا الْوَارِثُ؛ لِأَنَّهُ وَرَّثَ خِيَارَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِالْعَيْبِ فَاتَ الْجُزْءُ السَّلِيمُ فَلِلْمُوَرِّثِ أَنْ يُطَالِبَ بِذَلِكَ الْجُزْءِ فَيَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِيهِ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِيمَا تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُوَرِّثِ وَخِيَارُ التَّعْيِينِ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لِاخْتِلَاطِ مِلْكِهِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يُورَثُ فَإِذَا بَطَلَ الْخِيَارُ لَزِمَ الْبَيْعُ وَتَمَّ.
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ فَلِأَنَّهُ بِمُضِيِّهَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ إلَّا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ كَالْمُخَيَّرَةِ فِي وَقْتٍ مُقَدَّرٍ لَمْ يَبْقَ لَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ مُضِيِّهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْخِيَارِ تَمَامُ الْعَقْدِ وَلُزُومُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وَتَوَابِعُهُ فَلِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ دَلِيلُ الِاسْتِبْقَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمِلْكَ وَالْمُرَادُ بِتَوَابِعِ الْعِتْقِ التَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ وَكَذَلِكَ كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ كَالْوَطْءِ وَالتَّقْبِيلِ وَاللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ يَتِمُّ بِهِ الْبَيْعُ، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَنْفُذُ إلَّا فِي الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَوُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْمُدَّةِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ دَلِيلُ الِاسْتِبْقَاءِ وَلَوْ كَانَ الْفِعْلُ يَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يَتِمُّ بِهِ الْبَيْعُ كَالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ لِلِامْتِحَانِ وَالتَّجْرِبَةِ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الِاسْتِبْقَاءِ، وَأَمَّا الرَّابِعُ: وَهُوَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَارًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ تُبَاعُ دَارٌ أُخْرَى بِجَنْبِهَا فَيَأْخُذُهَا الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ بِالشُّفْعَةِ فَلِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمِلْكِ فَكَانَ دَلِيلَ الْإِجَازَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ شُرِعَتْ نَظَرًا لِلْمُلَّاكِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ يَلْزَمُهُمْ عَلَى الدَّوَامِ فَكَانَ الْأَخْذُ بِهَا دَلِيلَ الِاسْتِبْقَاءِ فَيَتَضَمَّنُ سُقُوطُ الْخِيَارِ سَابِقًا عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ فِيهَا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الْجَوَازَ كَانَ سَابِقًا وَلِأَنَّهُ أَحَقُّ النَّاسِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا فَكَانَ أَوْلَى بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهَا كَالْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَهَذَا التَّقْدِيرُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ يَمْلِكُ الدَّارَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِسُقُوطِ الْخِيَارِ لَا غَيْرَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ يَسْقُطُ بِهِ إجْمَاعًا بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ فِيمَا إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالصَّرِيحِ فَكَذَا بِالدَّلَالَةِ.
قَالَ (وَلَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ صَحَّ وَأَيُّهُمَا أَجَازَ أَوْ نَقَضَ صَحَّ) أَيْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي أَوْ مَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ نَقَضَهُ جَازَ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مِنْ مُوَاجَبِ الْعَقْدِ وَمِنْ أَحْكَامِهِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ كَاشْتِرَاطِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ مُفْسِدٌ وَفِيهِ ذَلِكَ فَيَفْسُدُ وَلَنَا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ اشْتِرَاطٌ لِلْعَاقِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَيُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْعَاقِدِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَجَعَلَ الْأَجْنَبِيَّ نَائِبًا عَنْ نَفْسِهِ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَزُفَرُ لَا يَقُولُ بِالِاقْتِضَاءِ وَلَا بِالِاسْتِحْسَانِ فَإِذَا كَانَ نَائِبًا عَنْهُ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ فَأَيُّهُمَا أَجَازَ أَوْ نَقَضَ صَحَّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَلَكَ التَّصَرُّفَ أَصَالَةً أَوْ نِيَابَةً قَالَ (فَإِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا وَنَقَضَ الْآخَرُ فَالْأَسْبَقُ أَحَقُّ) لِوُجُودِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ أَحَدٌ وَتَصَرُّفُ الْآخَرِ بَعْدَهُ يَلْغُو؛ لِأَنَّ السَّابِقَ إنْ كَانَ فَسْخًا فَالْمَفْسُوخُ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ، وَإِنْ كَانَ إجَازَةً فَقَدْ انْبَرَمَ الْعَقْدُ وَبَعْدَ انْبِرَامِهِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِفَسْخِهِ قَالَ (وَإِنْ كَانَا مَعًا فَالْفَسْخُ) أَيْ لَوْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا وَأَجَازَ الْآخَرُ وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مِنْهُمَا مَعًا كَانَ الْفَسْخُ أَوْلَى مِنْ الْإِجَازَةِ مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ وَهُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الْمَأْذُونِ مِنْ الْمَبْسُوطِ.
وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْهُ تَصَرُّفُ الْمَالِكِ أَوْلَى فَسْخًا كَانَ أَوْ إجَازَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَقْوَى إذْ النَّائِبُ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْهُ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِلْأَصْلِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى التَّصَرُّفِ كَانَ عَزْلًا لَهُ مِنْهُ بِالْفِعْلِ حُكْمًا وَهُوَ يَمْلِكُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ الْإِجَازَةَ وَإِرَادَتُهُ قَدْ انْقَطَعَتْ بِمَوْتِهِ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِرْثَ إنَّمَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ لَا فِيمَا لَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ وَالْخِيَارُ لَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الْإِرْثَ فِيمَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ؛ لِأَنَّ سَائِرَ تَصَرُّفَاتِ الْمُوَرِّثِ مِنْ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا تُورَثُ، وَكَذَا مَنْكُوحَتُهُ لَا تُورَثُ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَبْطُلُ خِيَارُهُ) أَيْ خِيَارُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرَاهُ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ دَلِيلُ الِاسْتِبْقَاءِ) وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى بِالنِّسْبَةِ إلَى جَانِبِ الْمُشْتَرِي أَمَّا فِي جَانِبِ الْبَائِعِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِامْتِحَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اسْتِخْدَامُهُ دَلِيلَ الِاسْتِبْقَاءِ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَالْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ) أَيْ فَإِنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ الشُّفْعَةَ وَأَنْ يَمْلِكَا رَقَبَةَ الدَّارِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْمُشْتَرِي هُنَا لَمْ يَصِرْ أَحَقَّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مَا نَصُّهُ أَيْ الْمُسْتَغْرِقُ بِالدَّيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَهَذَا التَّقْدِيرُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ لِأَنَّهُ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَشْفَعُ بِهَا وَقَدْ قَالَ يَشْفَعُ بِهَا فَاحْتَاجَ إلَى جَعْلِهِ فِعْلًا يُفِيدُ الرِّضَا بِالْبَيْعِ فَيَنْبَرِمُ الْبَيْعُ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ عَقْدِ الْخِيَارِ فَيَكُونُ سَابِقًا عَلَى شِرَاءِ مَا فِيهِ الشُّفْعَةُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا) قَالَ الْكَمَالُ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا حَاجَةَ؛ لِأَنَّهُمَا قَائِلَانِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ مَلَكَهَا فَيُتَّجَهُ لَهُ الشُّفْعَةُ بِهَا وَالْوَجْهُ أَنَّهُمَا أَيْضًا يَحْتَاجَانِ إلَى زِيَادَةِ ضَمِيمَةٍ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا عِنْدَهُمَا فَلَهُ رَفْعُهُ فَهُوَ مُزَلْزَلٌ وَالشُّفْعَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمُسْتَمِرِّ فَحِينَ شَفَعَ دَلَّ عَلَى قَصْدِهِ اسْتِبْقَاءُ الْمِلْكِ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ فَلَا يُفْسَخُ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يَسْقُطُ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ) أَيْ حَتَّى إذَا رَآهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بَعْدَمَا شَفَعَ بِهَا وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ صَرِيحًا لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ فَقَبِلَهَا هُوَ عَدَمٌ فَحَقِيقَةُ قَوْلِنَا ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ إذَا رَآهَا ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَكَذَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْعَيْبِ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ. اهـ. كَمَالٌ.