هَذَا التَّفْصِيلِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَمَّا الْكَافِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مِنْ أَيِّ مَاءٍ سَقَى لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُبْتَدَأُ بِالْعُشْرِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي حَالَةِ الِابْتِدَاءِ إجْمَاعًا.
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فِيمَا إذَا مَلَكَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ أَوْ الْعُشْرُ أَوْ الْعُشْرَانِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الزَّكَاةِ وَلَا يُقَالُ إذَا وُضِعَ الْخَرَاجُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِاعْتِبَارِ الْمَاءِ يَكُونُ ابْتِدَاءُ الْمُسْلِمِ بِالْخَرَاجِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ هَذَا بِابْتِدَاءِ وَضْعٍ عَلَى الْمُسْلِمِ بَلْ الْأَرْضُ لَمَّا لَمْ تَنْمُ إلَّا بِالْمَاءِ اُعْتُبِرَ الْمَاءُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْعَدُوِّ فَجَعَلْنَا وَظِيفَتَهُ الْخَرَاجَ وَالْمُسْلِمُ إذَا سَقَى أَرْضَهُ بِهِ فَقَدْ الْتَزَمَ الْخَرَاجَ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَمِثْلُهُ لَا يَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الْخَرَاجِيَّةَ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا لِمَا قُلْنَا وَإِنَّمَا «لَمْ يُوَظِّفْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَرَاضِي مَكَّةَ» مَعَ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا يُوضَعُ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجُ كَمَا لَا يُوضَعُ عَلَى رِقَابِهِمْ الْجِزْيَةُ وَالرِّقُّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ أَرْضُ السَّوَادِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لَهُمْ وَإِنَّمَا هِيَ وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلُهَا مُسْتَأْجِرُونَ لَهَا لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَطَابَ قُلُوبَ الْغَانِمِينَ فَآجَرَهَا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ هَذَا غَلَطٌ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَسْتَطِبْ قُلُوبَهُمْ فِيهِ بَلْ نَاظَرَهُمْ عَلَيْهِ وَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ وَامْتَنَعَ بِلَالٌ وَأَصْحَابُهُ فَدَعَا عَلَيْهِمْ وَأَيْنَ الِاسْتِرْضَاءُ، ثَانِيًا: أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَمْ يَحْضُرُوا الْغَانِمِينَ عَلَى تِلْكَ الْأَرَاضِي فَلَوْ كَانَ إجَارَةً لَاشْتُرِطَ حُضُورُهُمْ، ثَالِثُهَا: أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ رِضَا أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَوْ كَانَتْ إجَارَةً لَاشْتَرَطَ رِضَاهُمْ وَرَابِعُهَا أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصْدُرْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عُمَرَ وَلَوْ كَانَتْ إجَارَةً لَوَجَبَ الْعَقْدُ.
وَخَامِسُهَا: أَنَّ جَهَالَةَ الْأَرَاضِي تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ وَسَادِسُهَا أَنَّ جَهَالَةَ الْمُدَّةِ تَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهَا أَيْضًا وَسَابِعُهَا أَنَّ الْخَرَاجَ مُؤَبَّدٌ وَتَأْبِيدُ الْإِجَارَةِ بَاطِلٌ وَثَامِنُهَا أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْخَرَاجُ يَسْقُطُ عِنْدَهُ وَتَاسِعُهَا أَنَّ عُمَرَ قَدْ أَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ النَّحْلِ وَنَحْوِهِ وَلَا يَجُوزُ إجَارَتُهَا وَعَاشِرُهَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ اشْتَرَوْهَا فَكَيْفَ يَبِيعُونَ الْأَرْضَ الْمُسْتَأْجَرَةَ وَكَيْفَ يَجُوزُ لَهُمْ شِرَاؤُهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ) أَيْ قُرْبُ مَا أَحْيَا فَإِنْ كَانَتْ إلَى الْخَرَاجِ أَقْرَبَ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ إلَى الْعُشْرِ أَقْرَبَ فَهِيَ عُشْرِيَّةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ حَيِّزَ الشَّيْءِ يُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ كَفِنَاءِ الدَّارِ يُعْطِي لَهُ حُكْمَ الدَّارِ حَتَّى يَجُوزَ لِصَاحِبِهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ كَالْأَنْهَارِ الَّتِي احْتَفَرَتْهَا الْأَعَاجِمُ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِلَّا فَعُشْرِيَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مُطْلَقًا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبَصْرَةُ عُشْرِيَّةٌ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً لِأَنَّهَا اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا مِنْ جُمْلَةِ أَرَاضِي الْعِرَاقِ وَلَكِنْ تَرَكَ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِهِمْ وَهَذَا يُورِدُ إشْكَالًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ لَمْ يَعْتَبِرْ فِيهَا الْحَيِّزُ وَلَيْسَ هَذَا بِظَاهِرٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْحَيِّزُ فِي الْأَرَاضِي الْمُحْيَاةِ لَا فِي الْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً ثُمَّ الْخَرَاجُ عَلَى نَوْعَيْنِ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الْخَارِجِ كَالرُّبُعِ وَالْخُمُسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَخَرَاجُ وَظِيفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَهُوَ مَا وَضَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى سَوَادِ الْعِرَاقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَجَعَلْنَا وَظِيفَتَهُ) أَيْ وَظِيفَةَ الْمَاءِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ ثُمَّ أَرْضُ السَّوَادِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا عِنْدَنَا) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا بِالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ أَرْضًا عَنْوَةً لَهُ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَيَضَعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ وَعَلَى رُءُوسِهِمْ الْجِزْيَةَ فَتَبْقَى الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لِأَهْلِهَا وَقَدَّمْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فِي بَابِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِهَا هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ حَتَّى يَجُوزَ لِصِحَابِهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفِنَاءُ مِلْكًا لَهُ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ اعْتِبَارُ الْأَرْضِ الْمُحْيَاةِ بِالْحَيِّزِ خَرَاجِيًّا كَانَ أَوْ عُشْرِيًّا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اسْتَثْنَى الْبَصْرَةَ مِنْ ضَابِطِهِ فَإِنَّهَا عُشْرِيَّةٍ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى جَعْلِهَا عُشْرِيَّةً كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فَتَرْكُ الْقِيَاسِ فِيهَا كَذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا وَضَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى سَوَادِ الْعِرَاقِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَرَاجُ الَّذِي وَضَعَهُ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ مِنْ كُلِّ جَرِيبٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ قَفِيزٌ هَاشِمِيٌّ وَهُوَ الصَّاعُ وَدِرْهَمٌ وَمِنْ جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَمِنْ جَرِيبِ الْكَرْمِ الْمُتَّصِلِ وَالنَّخْلِ الْمُتَّصِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ اعْلَمْ أَنَّ الْقَفِيزَ الْوَاجِبَ فِي الْخَرَاجِ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الْهَاشِمِيِّ وَالْحَجَّاجِيِّ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْفِقْهِ كَالْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَالشَّامِلِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ الْقَفِيزُ هُوَ الْحَجَّاجِيُّ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَهُوَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَى الْحَجَّاجِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بَعْدَمَا فُقِدَ وَأَنَّهُ يَسَعُ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى قُلْت هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْخَرَاجِ مِنْ الْأَصْلِ فَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ مِنْ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ مِمَّا يَبْلُغُهُ الْمَاءُ مِمَّا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ فَفِي كُلِّ جَرِيبٍ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ زَرَعَ ذَلِكَ صَاحِبُهُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا أَوْ لَمْ يَزْرَعْهُ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَفِي كُلِّ سَنَةٍ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ فِي كُلِّ جَرِيبٍ زُرِعَ وَالْقَفِيزُ قَفِيزُ الْحَجَّاجِ وَهُوَ رُبْعُ الْهَاشِمِيِّ وَهُوَ مِثْلُ الصَّاعِ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ وَلِأَنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ يَمُنُّ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ بِصَاعِ عُمَرَ وَصَاعُ عُمَرَ هُوَ صَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا كَانَ صَاعُ عُمَرَ هُوَ الْحَجَّاجِيُّ الَّذِي هُوَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ