الدِّيَةُ بِالصُّلْحِ يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ فَأَيُّهُمَا رَأَى أَصْلَحَ فَعَلَ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ مَجَّانًا لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَقِيطًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ الْقَاتِلَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ الْمَوْلُودُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ الْوَارِثِ غَالِبًا وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ أَوْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ فَكَانَ فِيهِ احْتِمَالُ عَدَمِ الْوِلَايَةِ لِلْإِمَامِ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةٌ وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَلَهُمَا أَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَلِيِّ بِطَرِيقِ قِيَامِهِ مَقَامَ الْمَيِّتِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَالْمَجْهُولُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَيِّتُ فَلَا يَصْلُحُ وَلِيًّا فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى السُّلْطَانِ أَوْ إلَى الْعَامَّةِ كَمَا فِي الْإِرْثِ وَلَا يُقَالُ تَرَدُّدُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ يُوجِبُ سُقُوطَ الْقِصَاصِ كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ عَنْ وَفَاءٍ وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى لِأَنَّا نَقُولُ السُّلْطَانُ هُنَا نَائِبٌ عَنْ الْعَامَّةِ فَصَارَ الْوَلِيُّ وَاحِدًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُكَاتَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[باب العشر والخراج والجزية]

(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَرْضُ الْعَرَبِ وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ عُشْرِيَّةٌ) أَمَّا أَرْضُ الْعَرَبِ فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ لَمْ يَأْخُذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَيْءِ فَلَا يَثْبُتُ فِي أَرْضِهِمْ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي رِقَابِهِمْ وَهَذَا لِأَنَّ الْخَرَاجَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا عَلَى الْكُفْرِ كَمَا فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ وَمُشْرِكُو الْعَرَبِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «آخِرُ مَا عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ قَالَ لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَدُّهَا طُولًا مَا وَرَاءَ رِيفِ الْعِرَاقِ إلَى أَقْصَى صَخْرٍ بِالْيَمَنِ وَعَرْضًا مِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ السَّاحِلِ إلَى حَدِّ الشَّامِ، وَأَمَّا مَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ

فَلِأَنَّ الْحَاجَةَ

إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْعُشْرُ أَلْيَقُ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ حَتَّى يُصْرَفَ مَصَارِفَ الصَّدَقَاتِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ وَأَرْفَقُ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْخَرَاجِ لِتَعَلُّقِهِ بِحَقِيقَةِ الْخَارِجِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسَّوَادُ وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهِ أَوْ فُتِحَ صُلْحًا خَرَاجِيَّةٌ) لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ فَتَحَ السَّوَادَ وَضَعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَوَضَعَ عَلَى مِصْرَ حِينَ فَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الشَّامِ

وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ

إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْخَرَاجُ أَلْيَقُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَالتَّغْلِيظِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْإِخْرَاجِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْعُشْرِ أَيْضًا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَوَصَلَ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ وَمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ وَاسْتُخْرِجَ مِنْهَا عَيْنٌ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ لِأَنَّ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ مُعَلَّقَانِ بِالْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَنَمَاؤُهَا بِمَائِهَا فَيُعْتَبَرُ السَّقْيُ بِمَاءِ الْعُشْرِ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ وَالْمُرَادُ بِالْأَنْهَارِ الْأَنْهَارُ الَّتِي احْتَفَرَتْهَا الْأَعَاجِمُ كَنَهْرِ يَزْدَجْرِدْ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعِيَّةً لِأَنَّ الْأَنْهَارَ الْعِظَامَ كَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ فِيهَا خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الزَّكَاةِ وَكَذَا مُرَادُهُ فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَقِيطًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ لَقِيطًا فَقَتَلَهُ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ لِيَثْبُتَ الْمَالُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا وَإِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ صَالَحَهُ عَلَى الدِّيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَلَا أَقْتُلُهُ مِنْ قِبَلَ أَنِّي لَا أَعْرِفُ لَهُ وَلِيًّا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ وَلِيٍّ كَالْأَبِ وَنَحْوِهِ إنْ كَانَ ابْنَ رِشْدَةٍ وَكَالْأُمِّ إنْ كَانَ ابْنَ زَنْيَةٍ فَاشْتَبَهَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْقِصَاصِ فَلَا يُسْتَوْفَى وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» فَيَكُونُ السُّلْطَانُ وَلِيَّهُ لِأَنَّ اللَّقِيطَ لَا وَلِيَّ لَهُ. اهـ.

[بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ]

(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ) قَالَ الْكَمَالُ لَمَّا ذَكَرَ مَا يَصِيرُ بِهِ الْمُسْتَأْمَنُ ذِمِّيًّا ذَكَرَ مَا يَنُوبُهُ مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ إذَا صَارَ ذِمِّيًّا وَذَلِكَ هُوَ الْخَرَاجُ فِي أَرْضِهِ وَرَأْسِهِ وَفِي تَفَارُقِهِمَا كَثْرَةً فَأَوْرَدَهُمَا فِي بَابَيْنِ وَقَدَّمَ خَرَاجَ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ كَانَ بِقُرْبٍ قَرِيبٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْعُرْفِيَّةَ أَيْضًا تَتْمِيمًا لِوَظِيفَةِ الْأَرْضِ لِأَنَّهَا السَّبَبُ فِي الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ جَمِيعًا وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْعُشْرِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعُشْرُ لُغَةً وَاحِدٌ مِنْ الْعَشَرَةِ وَالْخَرَاجُ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَمَاءِ الْأَرْضِ أَوْ نَمَاءِ الْغُلَامِ وَسُمِّيَ بِهِ مَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنْ وَظِيفَةِ الْأَرْضِ وَالْغِرَاسِ وَحَدَّدَ الْأَرَاضِيَ الْعُشْرِيَّةُ وَالْخَرَاجِيَّةَ أَوَّلًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ أَضْبَطُ فَقَالَ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَأْخُذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ) أَيْ وَالْأَرْضُ لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا عُشْرِيَّةٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَرْضُ الْعَرَبِ كُلُّهَا أَرْضُ عُشْرٍ وَهِيَ أَرْضُ الْحِجَازِ وَتِهَامَةَ وَمَكَّةَ وَالْيَمَنِ وَالطَّائِفِ وَالْبَرِّيَّةِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَالْحِجَازُ هُوَ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ سُمِّيَ جَزِيرَةً لِأَنَّ بَحْرَ الْحَبَشِ وَبَحْرَ فَارِسَ وَالْفُرَاتِ أَحَاطَتْ بِهَا وَتُسَمَّى حِجَازًا لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ تِهَامَةَ وَنَجْدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحَدُّهَا) أَيْ حَدُّ أَرْضِ الْعَرَبِ. اهـ.

(قَوْلُهُ حِينَ فَتْحِ السَّوَادِ) أَيْ عَلَى يَدِ سَعْدٍ عَنْوَةً اهـ (قَوْلُهُ وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الشَّامِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَا وَضْعُهُ عَلَى مِصْرَ أَيْ وَضْعُ عُمَرَ الْخَرَاجَ عَلَى مِصْرَ حِينَ اُفْتُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى يَدِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَكَذَا وَضْعُهُ عَلَى الشَّامِ حِينَ افْتَتَحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَمُدُنَ الشَّامِ كُلَّهَا صُلْحًا دُونَ أَرَاضِيهَا وَأَمَّا أَرَاضِيهَا فَفُتِحَتْ عَنْوَةً عَلَى يَدِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَشُرَحْبِيلَ بْنِ أَبِي حَسَنَةَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَأَمَّا أَجْنَادِينُ مِنْ الشَّامِ فَقَدْ اُفْتُتِحَ صُلْحًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ وَجِيحُونَ) أَيْ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِيهَا خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) أَيْ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عُشْرِيٌّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَرَاجِيٌّ اهـ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015