أَحْكَامُهَا فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ فَمِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَكَذَا الْمَنْعُ مِنْ شِرَاءِ الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ فِي يَدِهِ قَهْرَ الْمُسْلِمِ بِالْإِذْلَالِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالْمُصْحَفِ وَنَحْنُ بِالْأَمَانِ لَمْ نَلْتَزِمْ الِاحْتِمَالَ وَالصَّبْرَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا نُمَكِّنُهُ مِنْهُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ فِعْلُ الرَّجُلِ أَصْلٌ وَفِعْلُ الْمَرْأَةِ تَبَعٌ وَالْفِعْلُ قَائِمٌ بِالْفَاعِلِ فَصَارَ مَحَلًّا لَهُ وَالْمُحَالُ كَالشُّرُوطِ فَامْتِنَاعُ الْحَدِّ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي حَقِّ التَّبَعِ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِالتَّمْكِينِ مِنْ فِعْلِ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ وَفِعْلُهُ هُنَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ إنْ كَانَ مُسْتَأْمِنًا فَكَذَا تَمْكِينُهَا مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُسْتَأْمِنَةَ فَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهَا وَهِيَ تَبَعٌ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ عَنْهُ وَهُوَ أَصْلٌ لِمَا ذَكَرْنَا، نَظِيرُهُ فِعْلُ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ مَعَ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فَإِنَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ إذَا زَنَى بِصَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا وَإِنْ زَنَتْ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ بِصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّ الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ عَلَيْهَا هُوَ التَّمْكِينُ مِنْ الْفِعْلِ الْفَاحِشِ وَهُوَ الزِّنَا وَقَدْ وُجِدَ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُسْتَأْمِنِ زِنًا لِأَنَّ الْكَافِرَ مُخَاطَبٌ بِالْحُرُمَاتِ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا عِنْدَنَا بِالْعِبَادَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِهَذَا يُحَدُّ الذِّمِّيُّ وَالْمُسْتَأْمِنُ وَيَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ وَإِحْصَانُ الْمُسْتَأْمِنِ حَتَّى لَوْ قَذَفَهُمَا قَاذِفٌ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِكَوْنِهِ صَادِقًا فِيهِمَا لِتَحَقُّقِ الزِّنَا مِنْهُمَا فِي حَالَةِ الْكُفْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ الْمُسْتَأْمِنُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ غَابَ الرَّجُلُ بَعْدَ ثُبُوتِ زِنَاهُمَا وَالْمَرْأَةُ حَاضِرَةٌ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُخَاطَبَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمَا زِنًا وَالتَّمْكِينُ مِنْهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ فِعْلُ الْمَرْأَةِ تَبَعٌ قُلْنَا تَبَعٌ فِي حَقِّ نَفْسِ الْفِعْلِ لَا فِي حُكْمِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مُحْصَنَةً وَالرَّجُلُ غَيْرَ مُحْصَنٍ يُجْلَدُ الرَّجُلُ وَتُرْجَمُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَصِيرُ تَبَعًا لَهُ فِيهِ وَلَا يَكُونُ شُبْهَةً فِي حَقِّهَا، وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ لَوْ زَنَتْ مُطَاوِعَةٌ بِمُكْرَهٍ تُحَدُّ الْمَرْأَةُ دُونَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ زَنَى مُسْتَأْمِنٌ بِمُسْتَأْمِنَةٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِزِنَا صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ بِمُكَلَّفَةٍ بِخِلَافِ عَكْسِهِ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِامْرَأَةٍ مُكَلَّفَةٍ وَهِيَ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا زَنَى الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ حَيْثُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ بِالْوَطْءِ الْخَالِي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فَكَانَ زِنًا وَالزِّنَا مِنْهَا مُتَصَوَّرٌ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا زَانِيَةً بِقَوْلِهِ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَلِهَذَا مَنْ قَذَفَهَا بِهِ يُحَدُّ وَلَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ الزِّنَا مِنْهَا لَمَا حُدَّ قَاذِفُهَا كَقَاذِفِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِذَا كَانَ زِنًا فَامْتِنَاعُ وُجُوبِ الْحَدِّ لِمَعْنًى يَخُصُّهُ لَا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّهَا كَمَا فِي الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا زَنَى الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِالصَّبِيَّةِ أَوْ الْمَجْنُونَةِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إجْمَاعًا فَكَذَا هَذَا

وَلَنَا أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْأُنْثَى وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الذَّكَرِ وَلِهَذَا هُوَ يُسَمَّى زَانِيًا وَوَاطِئًا وَالْمَرْأَةُ مَوْطُوءَةً وَمَزْنِيًّا بِهَا إلَّا أَنَّهَا سُمِّيَتْ زَانِيَةً مَجَازًا تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِهِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ كَالرَّاضِيَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَفِعْلُهُ هُنَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرَّقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ إذَا زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمِنَةٍ حَيْثُ يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَهُ عَلَى الْفَاعِلِ وَبَيْنَ الْمُسْلِمَةِ أَوْ الذِّمِّيَّةِ إذَا زَنَتْ بِحَرْبِيٍّ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُ جَمِيعًا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَابِ الزِّنَا فِعْلُ الذَّكَرِ وَالْمَرْأَةُ تَابِعَةٌ لِكَوْنِهَا مَحِلًّا فَوَجَبَ مِنْ امْتِنَاعِ الْحَدِّ عَلَى الْأَصْلِ امْتِنَاعُهُ عَلَى التَّبَعِ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ امْتِنَاعِ الْحَدِّ عَلَى التَّبَعِ امْتِنَاعُهُ عَلَى الْأَصْلِ اهـ

(قَوْلُهُ تُحَدُّ الْمَرْأَةُ دُونَهُ عِنْدَهُمَا) سَيَأْتِي قَرِيبًا نَقْلًا عَنْ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى الزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ اهـ فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ فَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا) قَالَ الْكَمَالُ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ زَنَى مُكْرَهٌ بِمُطَاوِعَةٍ تُحَدُّ الْمُطَاوِعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُحَدُّ اهـ فَلَمْ يَذْكُرْ لِأَبِي يُوسُفَ قَوْلًا اهـ وَهَكَذَا الْأَتْقَانِيُّ لَمْ يَذْكُرْ لِأَبِي يُوسُفَ قَوْلًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ زَنَى) أَيْ حَرْبِيٌّ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِزِنَا صَبِيٍّ إلَى قَوْلِهِ عَكْسُهُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِامْرَأَةٍ مُكَلَّفَةٍ) أَيْ لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا إذَا زَنَى الْعَاقِلُ الْبَالِغُ بِصَبِيَّةٍ) أَيْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يُجَامَعُ مِثْلُهَا لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَوَطِئَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ كَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ لِأَنَّ الطِّبَاعَ السَّلِيمَةَ لَا تَرْغَبُ فِي مِثْلِهَا أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ وَلَوْ وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَةً لَهَا خَمْسُ سِنِينَ وَأَفْضَاهَا وَلَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ لِصِغَرِهَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا يُفْطِرُهُ إذَا لَمْ يُنْزِلْ وَهُوَ كَالْإِيلَاجِ فِي الْبَهِيمَةِ وَنَقَلَ أَيْضًا صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا جَامَعَ ابْنَةَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ صَغِيرَةٌ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَأَفْضَاهَا وَأَفْسَدَهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا لِأَنَّ هَذِهِ مِمَّنْ لَا يُجَامَعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَكْرَهُ لَهُ الْأُمَّ وَالِابْنَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ التَّنَزُّهُ أَحَبُّ إلَيَّ لَكِنْ لَا أُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهَا اهـ

(قَوْلُهُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ) أَيْ دُونَ الْمَرْأَةِ اهـ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالرَّاضِيَةِ) فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَيْكُمْ مَسَائِلُ وَهِيَ أَنَّ الْمُكْرَهَ إذَا زَنَى بِمُطَاوِعَةٍ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ وَكَذَا الْمُسْتَأْمِنُ إذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا مَكَّنَتْ نَفْسَهَا مِنْ النَّائِمِ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ امْتِنَاعَ الْحَدِّ عَلَى الذَّكَرِ لَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ قُلْت الْمَسَائِلُ مَمْنُوعَةٌ لِأَنَّ الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ نَصَّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى الزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015