بِذَلِكَ لَا لِأَنَّ الْإِحْرَاقَ وَاجِبٌ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا تُذْبَحُ وَتُحْرَقُ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا تُذْبَحُ وَتُؤْكَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا تُحْرَقُ هَذِهِ أَيْضًا هَذَا إنْ كَانَتْ الْبَهِيمَةُ لِلْفَاعِلِ وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ يُطَالَبُ صَاحِبُهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ بِقِيمَتِهَا ثُمَّ تُذْبَحُ هَكَذَا ذَكَرُوا وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا سَمَاعًا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِزِنًا فِي دَارِ حَرْبٍ أَوْ بَغْيٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مُلْتَزِمٌ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ وَمِنْ حُكْمِهِ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ» وَلِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ لِمَقْصُودِهِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ وَالِاسْتِيفَاءُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا يَجِبُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ هُنَالِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا لِإِمَامِنَا عَلَيْهِمْ وِلَايَةٌ حَتَّى يُقِيمَهُ هُنَالِكَ فَامْتَنَعَ الْوُجُوبُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ فَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا مِنْ الِابْتِدَاءِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا بِالْخُرُوجِ إلَيْنَا وَلَوْ غَزَا الْخَلِيفَةُ وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ أَوْ أَمِيرُ مِصْرٍ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى فِي مُعَسْكَرِهِ لِأَنَّ الْعَسْكَرَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ فَيُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى مِنْهُمْ كَمَا يُقِيمُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ زَنَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ خَارِجَ الْمُعَسْكَرِ لَا يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ لِمَا ذَكَرْنَا فَصَارَ كَالْمُسْتَأْمِنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا زَنَى هُنَاكَ وَلَوْ دَخَلَتْ سُرِّيَّةٌ دَارَ الْحَرْبِ فَزَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ لَمْ يُحَدَّ وَكَذَا أَمِيرُ الْعَسْكَرِ لَا يُقِيمُ الْحَدَّ وَالْقِصَاصَ لِأَنَّ أَمِيرَ الْعَسْكَرِ أَوْ السَّرِيَّةِ فُوِّضَ إلَيْهِمَا تَدْبِيرُ الْحَرْبِ لَا إقَامَةَ الْحُدُودِ ثُمَّ إذَا خَرَجَ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِمَا رَوَيْنَا وَذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُعَارِضُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] فَلَا يُقْبَلُ قُلْنَا خُصَّ مِنْهُ مَوَاضِعُ الشُّبْهَةِ مِنْ ذَلِكَ فَبَعْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَأَهْلُ الْبَغْيِ الْتَحَقُوا بِأَهْلِ الْحَرْبِ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْإِمَامِ عَلَيْهِمْ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِزِنَا حَرْبِيٍّ بِذِمِّيَّةٍ فِي حَقِّهِ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِزِنَا رَجُلٍ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمِنٍ بِذِمِّيَّةٍ فِي حَقِّ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمِنِ وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَتُحَدُّ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَا لَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ تُحَدُّ الْمُسْلِمَةُ دُونَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَدُّ الْمُسْتَأْمِنُ أَيْضًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ زَنَى ذِمِّيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ بِمُسْتَأْمِنَةٍ يُحَدُّ الذِّمِّيُّ وَالْمُسْلِمُ دُونَ الْمُسْتَأْمِنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُحَدُّ الْمُسْتَأْمِنَةُ أَيْضًا وَأَبُو يُوسُفَ كَانَ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى مَا ذَكَرْنَا وَالْأَصْلُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحُدُودَ كُلَّهَا تُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ وَالْمُسْتَأْمَنَةِ فِي دَارِنَا إلَّا حَدَّ الشُّرْبِ كَمَا تُقَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالذِّمِّيَّةِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمِنَ يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ الزِّنَا لِكَوْنِهِ حَرَامًا فِي كُلِّ الْأَدْيَانِ وَقَدَرَ الْإِمَامُ عَلَى إقَامَتِهِ عَلَيْهِ وَقَدْ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ وَالسِّيَاسَاتِ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي دَارِنَا كَالذِّمِّيِّ الْتَزَمَهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ وَيُمْنَعُ مِنْ الزِّنَا وَشِرَاءِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالْمُصْحَفِ وَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِمَا إنْ اشْتَرَاهُمَا كَمَا يُجْبَرُ الذِّمِّيُّ بِخِلَافِ حَدِّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُقَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ وَالْمُسْتَأْمَنَةِ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تُبْنَى عَلَى الْوِلَايَةِ وَالْوِلَايَةُ تُبْنَى عَلَى الِالْتِزَامِ إذْ لَوْ أَلْزَمْنَاهُ حَكَمْنَا بِدُونِ الْتِزَامِهِ أَدَّى إلَى تَنْفِيرِهِ مِنْ دَارِنَا وَقَدْ نُدِبْنَا إلَى مُعَامَلَةٍ تَحْمِلُهُ عَلَى الدُّخُولِ فِي دَارِنَا لِيَرَى مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ فَيُسْلِمَ وَهُوَ بِالْأَمَانِ الْتَزَمَ حُقُوقَ الْعِبَادِ لِأَنَّ دُخُولَهُ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ وَهِيَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فَالْتَزَمَ أَنْ يُنْصِفَهُمْ كَمَا يُنْصَفُ وَأَنْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا كَمَا لَا يُؤْذَى فَيَلْزَمُهُ بِالْتِزَامِهِ، وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ تُضْرَبْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ رُجُوعِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَمَنْعُ الْكَافِرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا وَاجِبٌ عَلَيْنَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ عَلَى حَالِهِ وَلِهَذَا لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِهِ وَلَا الذِّمِّيُّ بِهِ وَلَمْ يَظْهَرُ حُكْمُ الْأَمَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ بِالْأَمَانِ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَتَجْرِي عَلَيْهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْإِحْرَاقُ جَائِزٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا تُذْبَحُ وَتُؤْكَلُ وَلَا تُحْرَقُ بِالنَّارِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُحْرَقُ بِالنَّارِ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِزِنًا فِي دَارِ حَرْبٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا فَأَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِهِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بَغْيٍ) أَيْ وَأَهْلُ الْبَغْيِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَخْرُجُونَ عَلَى الْإِمَامِ وَلَهُمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ وَمَنَعَةٌ وَيُخَالِفُونَ بَعْضَ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ بِالتَّأْوِيلِ وَيَظْهَرُونَ عَلَى بَلْدَةٍ مِنْ الْبِلَادِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تُقَامُ الْحُدُودُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ لَكِنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ» لَمْ يُعْلَمُ لَهُ وُجُودٌ وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَصَابَ بِهَا حَدًّا ثُمَّ هَرَبَ فَخَرَجَ إلَيْنَا فَإِنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَوْ دَخَلَتْ سَرِيَّةٌ) أَيْ وَهُمْ الَّذِينَ يَسْرُونَ بِاللَّيْلِ وَيَخْتَفُونَ بِالنَّهَارِ وَمِنْهُ خَيْرُ «السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ». اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ هَذَا) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْنَا خُصَّ مِنْهُ) يَعْنِي الصِّبْيَانَ وَالْمَجَانِينَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ) أَيْ لِأَنَّهُ بَعْدَ لَحَاقِ الْخُصُوصِ لَمْ يَبْقَ حُجَّةً قَطْعًا وَيَقِينًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ وَالْمُسْتَأْمَنَةِ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ) أَيْ كَحَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجِبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْحُدُودِ إلَّا حَدَّ الشُّرْبِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدَّ الْخَمْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ يَرَاهُ حَلَالًا وَحَدُّ الْقَذْفِ يَجِبُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَحَدُّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ يَجِبُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015