شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ لَا شِرَاءُ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ أَبِيهِ أَيْضًا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ أَنْ يَقُولَ لِأَمَةِ غَيْرِهِ وَقَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي فَاشْتَرَاهَا فَإِنَّهَا تَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا تُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ النِّيَّةَ إذَا قَارَنَتْ عِلَّةَ الْعِتْقِ وَرِقُّ الْمُعْتَقِ كَامِلٌ صَحَّ التَّكْفِيرُ وَإِلَّا فَلَا وَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِنَاءً عَلَيْهِ فَعِنْدَهُمَا عِلَّةُ الْعِتْقِ الْقَرَابَةُ لِأَنَّهَا عِلَّةُ الصِّلَاتِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْقَرَابَةِ كَمَا فِي النَّفَقَةِ وَالتَّزَاوُرِ وَالشِّرَاءَ شَرْطُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ وَالْإِعْتَاقُ سَبَبٌ لِزَوَالِهِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَاسْتَحَالَ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى الشِّرَاءِ فَلَمْ تَتَّصِلْ النِّيَّةُ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ فَلَا يَصِحُّ كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ نَاوِيًا عَنْ التَّكْفِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا شِرَاءَ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ
وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ نِيَّةَ التَّكْفِيرِ قَارَنَتْ الشَّرْطَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ الشِّرَاءُ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ التَّعْلِيقُ الْأَوَّلُ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ صَحَّ وَجَازَ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ صَرْفَ مَنْفَعَةِ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ فَلَا تَجُوزُ كَغَيْرِهَا مِنْ الْقُرَبِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ وَلَنَا أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيهِ فَيُعْتِقُهُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ أَيْ يُعْتِقُهُ بِذَلِكَ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِلْعِتْقِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ أَيْ بِذَلِكَ السَّقْيِ وَضَرَبَهُ فَأَوْجَعَهُ أَيْ بِذَلِكَ الضَّرْبِ وَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ إعْتَاقٌ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ اشْتَرَى نِصْفَهُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يَضْمَنُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَهَذَا الضَّمَانُ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْمُعْتِقِ وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يُوجِبُ الْمِلْكَ وَالْمُلْكُ يُوجِبُ الْعِتْقَ فِي الْقَرِيبِ فَيُضَافُ الْمِلْكُ مَعَ حُكْمِهِ إلَى شِرَائِهِ لِأَنَّهُمَا حَدَثَا بِهِ وَهَذَا كَمَنْ رَمَى إنْسَانًا فَأَصَابَهُ فَمَاتَ قُتِلَ بِهِ كَأَنَّهُ جَزَّ رَقَبَتَهُ بِالسَّيْفِ لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقِيَاسُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا صُوِّرَتْ هَكَذَا لِأَنَّهُ يُرِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ شِرَاءِ الْقَرِيبِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَشِرَاءَ أُمِّ الْوَلَدِ وَإِلَّا فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يُجْزِي مُعَلَّقًا وَلَا مُنَجَّزًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشِّرَاءَيْنِ مَعَ أَنَّ الشِّرَاءَ فِي الْفَصْلَيْنِ مَسْبُوقٌ بِمَا يُوجِبُ الْعِتْقَ مِنْ وَجْهٍ وَهُمَا الْقَرَابَةُ وَالِاسْتِيلَادُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ اسْتَحَقَّتْ الْعِتْقَ بِالِاسْتِيلَادِ حَتَّى جُعِلَ إعْتَاقًا مِنْ وَجْهٍ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» فَهِيَ قَبْلَ الشِّرَاءِ قَدْ عَتَقَتْ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَكُنْ عِتْقُهَا بِالشِّرَاءِ أَوْ تَنْجِيزًا إعْتَاقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَالْوَاجِبُ بِالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ إعْتَاقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْقَرِيبِ فَإِنَّهُ إعْتَاقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الشِّرَاءِ عِتْقٌ مِنْ وَجْهٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا تُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا الْعِتْقُ فَلِوُجُودِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي الْيَمِينِ السَّابِقَةِ وَهُوَ الشِّرَاءُ وَأَمَّا عَدَمُ الْإِجْزَاءِ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَلِأَنَّهَا لَمَّا اسْتَحَقَّتْ الْعِتْقَ بِالِاسْتِيلَادِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» لَمْ يَكُنْ كُلُّ الْعِتْقِ مُضَافًا إلَى الشِّرَاءِ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ عِلَّةُ الْعِتْقِ مِنْ وَجْهٍ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ تَحْرِيرٌ كَامِلٌ لَا تَحْرِيرٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَعِنْدَهُمَا عِلَّةُ الْعِتْقِ الْقَرَابَةُ) أَيْ الْمُتَقَدِّمَةُ لَا الشِّرَاءُ فَإِنَّ الشِّرَاءَ شَرْطُ الْعِتْقِ وَإِنَّمَا اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِالشِّرَاءِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ لَا بِالْعِلَّةِ فَصَارَ كَعِتْقِهِ بِيَمِينٍ مُتَقَدِّمَةٍ، بَيَانُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّحْرِيرُ وَالشِّرَاءُ لَيْسَ بِتَحْرِيرٍ لِمُنَافَاةٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ اسْتِجْلَابُ الْمِلْكِ وَالتَّحْرِيرَ إزَالَةُ الْمِلْكِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ بِالْقَرَابَةِ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا ادَّعَى نَسَبَهُ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ فِيهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْقَرَابَةِ كَمَا فِي النَّفَقَةِ) وَالْحَاصِلُ مِنْ دَلِيلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعِلَّةَ لِلْعِتْقِ هِيَ الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ لَا الشِّرَاءُ لِلْقَرِيبِ لِأَنَّهَا الَّتِي ظَهَرَ أَثَرُهَا فِي وُجُوبِ الصِّلَاتِ كَالنَّفَقَةِ فَهِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْعِتْقِ وَإِنَّمَا الْمِلْكُ شَرْطُ عَمَلِهَا سَوَاءٌ حَصَلَ بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ نَفْسَ الْعِلَّةِ فَلَا لِأَنَّهُ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْعِتْقُ لِإِزَالَتِهِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَلَا يَكُونُ الْعِتْقُ مُقْتَضَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَاشْتَرَاهُ نَاوِيًا عَنْ التَّكْفِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ عِتْقَ الْعَبْدِ وَجَبَ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ كَانَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ حَتَّى إذَا قَالَ هُوَ حُرٌّ يَوْمَ أَشْتَرِيهِ وَعَنَى بِهِ أَنْ يَقَعَ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْعِتْقِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَجْزَأَهُ لِاقْتِرَانِ نِيَّةِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِعْتَاقِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَمْ تَقْتَرِنْ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ بَلْ اقْتَرَنَتْ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَلَيْسَ لِلشَّرْطِ أَثَرٌ فِي إيجَابِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِقَوْلٍ سَابِقٍ وَهُوَ قَوْلُهُ حُرٌّ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ نَوَى عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا هَذَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ أَيْ يُعْتِقُهُ بِذَلِكَ الشِّرَاءِ) بَيَانُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْوَلَدَ مُعْتِقًا لِوَالِدِهِ بِالشِّرَاءِ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْتَدَأَ لَمْ يُوجَدْ بِالِاتِّفَاقِ فَكَمَا اشْتَرَاهُ عَتَقَ وَكَلَامُ الرَّسُولِ تَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ الْإِلْغَاءِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا لَزِمَ الْإِلْغَاءُ وَمِثْلُهُ وَارِدٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ أَيْ بِالسَّقْيِ يُؤَيِّدُهُ، مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى سَمُرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ» بَيَانُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ الْحُرِّيَّةَ جَزَاءً لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءُ عِلَّةٌ لِلْمِلْكِ فَكَأَنَّهُ قَالَ مَنْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ تَحْرِيرًا وَإِعْتَاقًا وَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ فَجَازَ عَمَّا عَلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَرِثَ أَبَاهُ يَنْوِي بِهِ الْكَفَّارَةَ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ وَاخْتِيَارِهِ وَالتَّكْفِيرُ يَتَأَدَّى بِالتَّحْرِيرِ الَّذِي هُوَ صُنْعُهُ وَفِي الْأَسْبَابِ السَّابِقَةِ أَعْنِي الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْوَصِيَّةَ يَحْصُلُ صُنْعُهُ وَهُوَ الْقَبُولُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ بِذَلِكَ الضَّرْبِ) وَالتَّرْتِيبُ بِالْفَاءِ يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ عَلَى مَا عُرِفَ مِثْلُ سَهَا فَسَجَدَ وَزَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ اهـ