وَلَكِنْ لَمَّا بَقِيَتْ الْمَحَالُّ الْمَمْلُوكَةُ مَمْلُوكَةً عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ لِبَقَاءِ الْحُرْمَةِ حُكْمًا لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَا بِحَقِيقَتِهِ وَبِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ أُسْقِطَتْ الْحُرْمَةُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا حَتَّى إنَّ الْمُرْتَدَّ الَّذِي يَلْتَحِقُ بِدَارِ الْحَرْبِ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ حُكْمًا فَتُورَثُ أَمْلَاكُهُ وَيُعْتَقُ مُدَبَّرُوهُ فَأَوْجَبَ الزَّوَالَ لَا إلَى أَثَرِ مِلْكِهِ.

قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ عَلَّلُوا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَمَا كَانُوا يَحْتَاجُونَ إلَى هَذَا التَّعْلِيلِ فَإِنَّ عِنْدَهُ الذِّمِّيَّ إذَا طَلَّقَ الذِّمِّيَّةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ إلَّا إذَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ فِي الصَّحِيحِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ تَجِبُ لَكِنْ لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ لِضَعْفِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَصَارَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ كَوْنُهَا تَحْتَ كَافِرٍ لَا غَيْرُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَارْتِدَادُ أَحَدِهِمَا فَسْخٌ فِي الْحَالِ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْ الْمَرْأَةِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ هُوَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْإِبَاءِ، وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ وَعِلَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَوَافَقَ أَبُو يُوسُفَ فِي الرِّدَّةِ وَوَافَقَ مُحَمَّدًا فِي الْإِبَاءِ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ لِكَوْنِهَا مُنَافِيَةً لِلْعِصْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ عِصْمَةُ النَّفْسِ وَالْمَالِ فَلَمْ يَبْقَ لِمِلْكِهِ حُرْمَةٌ وَالطَّلَاقُ مِنْهُ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ فَتَعَذَّرَ جَعْلُهُ طَلَاقًا لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْإِبَاءِ فَإِنَّهُ تَفْوِيتُ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ وَلِهَذَا تَتَوَقَّفُ الْفُرْقَةُ بِالْإِبَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ وَفُرِّقَ أَيْضًا بَيْنَ الْفُرْقَةِ بِالْإِبَاءِ وَبَيْنَ الْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَنَّ الْفُرْقَةَ بِالْخِيَارِ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَالْعَقْدُ إذَا انْفَسَخَ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَالْأَحْكَامُ بِهِ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ الْمَهْرِ إذَا كَانَ فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِخِلَافِ الْإِبَاءِ.

وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ الْفُرْقَةِ بِإِبَاءٍ وَرِدَّةٍ وَبَيْنَ الْفُرْقَةِ بِمِلْكِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ وبالْمَحْرَمِيَّةِ فَقَالَ: إنَّ الْفُرْقَةَ بِالْإِبَاءِ وَالرِّدَّةِ قَوْلِيَّةٌ كَالطَّلَاقِ وَبِالْمِلْكِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ حُكْمِيَّةٌ كَالْمَوْتِ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْآخَرِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بَاقِيًا إلَى أَنْ يُحْكَمَ بِالْفُرْقَةِ فَتُنَافِيهِ الرِّدَّةُ، وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ فَسْخٌ فِي الْحَالِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا تَبِينُ مِنْهُ حَتَّى تَمْضِيَ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ تَبِينُ فِي الْحَالِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِرِدَّةِ أَحَدِهِمَا وَلَكِنْ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَجَعَلَهُ كَالْإِبَاءِ وَنَحْنُ نَقُولُ الِارْتِدَادُ مُنَافِيهِ وَاعْتِرَاضُ الْمُنَافِي يُوجِبُ الْفُرْقَةَ كَالْمَحْرَمِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَبَعْضُ مَشَايِخِ، بَلْخٍ وَسَمَرْقَنْدَ كَانُوا يُفْتُونَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالرِّدَّةِ حَسْمًا لِبَابِ الْمَعْصِيَةِ وَعَامَّتُهُمْ يَقُولُونَ يَقَعُ الْفَسْخُ وَلَكِنْ تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ لِزَوْجِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَمَشَايِخُ بُخَارَى كَانُوا عَلَى هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلِلْمَوْطُوءَةِ الْمَهْرُ) أَيْ لِلْمُرْتَدَّةِ الْمَدْخُولِ بِهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ بِالدُّخُولِ فَلَا يُتَصَوَّرُ سُقُوطُهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِغَيْرِهَا النِّصْفُ إنْ ارْتَدَّ) أَيْ وَلِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ تُوجِبُ نِصْفَ الْمَهْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ارْتَدَّتْ لَا وَالْإِبَاءُ نَظِيرُهُ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ الْمُرْتَدَّةُ قَبْلَ الدُّخُولِ هِيَ الْمَرْأَةُ لَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِمَعْصِيَةٍ تُوجِبُ سُقُوطَهُ لِحُصُولِ التَّفْوِيتِ مِنْهَا. قَوْلُهُ وَالْإِبَاءُ نَظِيرُهُ أَيْ نَظِيرُ الِارْتِدَادِ حَتَّى إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ مِنْ أَيُّهُمَا كَانَ يَجِبُ الْمَهْرُ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَ مِنْهُ يَجِبُ النِّصْفُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْهَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا فِي ارْتِدَادِهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ارْتَدَّ أَوْ أَسْلَمَا مَعًا لَمْ تَبِنْ)

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا مُنَافِيَةً لِلْعِصْمَةِ) أَيْ وَالْمُنَافِي لَا يَحْتَمِلُ التَّرَاخِيَ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِلْعِصْمَةِ كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ) وَاعْتَرَضَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُنَافِي مِلْكَ الْعَيْنِ، بَلْ يَصِيرُ مَوْقُوفًا فَمَا بَالُ مِلْكِ النِّكَاحِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنَّ الرِّدَّةَ لَوْ كَانَتْ مُنَافِيَةً لَمَا وَقَعَ طَلَاقُ الْمُرْتَدِّ عَلَى امْرَأَتِهِ بَعْدَ الرِّدَّةِ كَمَا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ لَكِنَّهُ يَقَعُ بِالِاتِّفَاقِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ، فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ وَالرِّدَّةُ تُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً وَتَوَقَّفَ تَحْصِيلُ مِلْكِ الْعَيْنِ بِالشِّرَاءِ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً.

وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ تَابِعٌ لِإِمْكَانِ ظُهُورِ أَثَرِهِ وَحَيْثُ كَانَتْ الْمَحَلِّيَّةُ مُتَصَوَّرَةَ الْعَوْدِ بِالتَّوْبَةِ أَمْكَنَ ظُهُورُ أَثَرِهِ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمَرْأَةِ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ مُنَافٍ لِلنِّكَاحِ فَكَانَ مُنَافِيًا لِلطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ فَإِنْ عَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْمُنَافِيَ وَهُوَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ قَدْ ارْتَفَعَ وَمَحَلِّيَّةُ الطَّلَاقِ بِالْعِدَّةِ وَهِيَ قَائِمَةٌ فَيَقَعُ، وَإِذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ سَقَطَتْ عَنْهَا عِنْدَهُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ كَالْمَيِّتِ فِي حَقِّهَا وَبَقَاءُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ مُسْتَحِيلٌ وَالْعِدَّةُ مَتَى سَقَطَتْ لَا تَعُودُ إلَّا بِعَوْدِ سَبَبِهَا بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ هُنَاكَ بَاقِيَةٌ بِبَقَاءِ مَحَلِّهَا؛ لِأَنَّهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ كَانَ مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَإِذَا ارْتَفَعَ الْمَانِعُ وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ وَقَعَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ عِنْدَهُ اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا تَتَوَقَّفُ الْفُرْقَةُ) تَوْضِيحٌ لِكَوْنِ الرِّدَّةِ مُنَافِيَةً لِلطَّلَاقِ دُونَ الْإِبَاءِ اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ لِزَوْجِهَا إلَخْ) وَلِكُلِّ قَاضٍ أَنْ يُجَدِّدَ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا بِمَهْرٍ يَسِيرٍ، وَلَوْ بِدِينَارٍ رَضِيَتْ أَمْ لَا وَتَعَزُّرٍ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَلِلْمَوْطُوءَةِ الْمَهْرُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ إنْ دَخَلَ بِهَا وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ أَيْضًا وَنِصْفُهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةُ فَلَهَا الْكُلُّ إنْ دَخَلَ بِهَا وَلَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا مَهْرَ وَلَا نَفَقَةَ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ ارْتَدَّا أَوْ أَسْلَمَا مَعًا لَمْ تَبِنْ) هَذَا إذَا لَمْ يَلْحَقْ أَحَدٌ مِنْهُمَا بِدَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ ارْتِدَادِهِمَا فَإِنْ لَحِقَ فَسَدَ لِلتَّبَايُنِ اهـ. فَتْحٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015