التَّوْحِيدَ فَكَانَ فِي جَعْلِ الْوُلْدِ تَبَعًا لَهُ نَوْعُ نَظَرٍ وَهُوَ وَاجِبٌ، وَقَوْلُهُ يُرَجَّحُ مَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ يُنْتَقَضُ بِمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) وَهَذَا الْكَلَامُ عَلَى إطْلَاقِهِ يَسْتَقِيمُ فِي الْمَجُوسِيِّينَ؛ لِأَنَّهُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْآبَاءِ، وَأَمَّا إذَا كَانَا كِتَابِيَّيْنِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ هِيَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ أَسْلَمَ هُوَ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا لِجَوَازِ تَزَوُّجِهَا لِلْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعَرْضِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ هِيَ كِتَابِيَّةً وَالزَّوْجُ مَجُوسِيٌّ فَأَسْلَمَ لِمَا قُلْنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْرَضُ عَلَى الْمُصِرِّ الْإِسْلَامُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لَهُمْ، وَقَدْ ضَمِنَا بِعَقْدِ الذِّمَّةِ أَنْ لَا نَتَعَرَّضَ لَهُمْ إلَّا أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ فَيَنْقَطِعُ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَهُ مُتَأَكِّدٌ فَيُؤَجَّلُ إلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثِ حِيَضٍ كَمَا فِي الطَّلَاقِ حَيْثُ يَنْقَطِعُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِنَفْسِهِ وَبَعْدَهُ لَا يَنْقَطِعُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَلَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَّقَ بَيْنَ نَصْرَانِيٍّ وَنَصْرَانِيَّةٍ بِإِبَائِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَظَهَرَ حُكْمُهُ بَيْنَهُمْ وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا خِلَافٌ فَكَانَ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ بِالْإِسْلَامِ لَا تَبْقَى مَقَاصِدُ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْمِلْكُ وَالِازْدِوَاجُ وَقَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَالتَّوَالُدُ وَنَحْوُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ يُبْنَى عَلَيْهِ فَوَاتُ الْمِلْكِ، وَالْإِسْلَامُ طَاعَةُ سَبَبٍ لِثُبُوتِ الْعِصْمَةِ لَا لِانْقِطَاعِهَا.

وَكَذَا كُفْرُ الْمُصِرِّ لَا يُنَافِيهِ كَمَا فِي حَالَةِ الِابْتِدَاءِ وَفِي حَالَةِ الْبَقَاءِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا اخْتِلَافُ الدِّينِ لَا يُنَافِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ فَيُعْرَضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ لِمَصْلَحَةٍ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ لِتَحْصُلَ تِلْكَ الْمَقَاصِدُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ الْفُرْقَةِ بِالْإِبَاءِ فَإِنَّهُ مَعْصِيَةٌ تُنَاسِبُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ، ثُمَّ إنَّ مَذْهَبَهُ عَلَى خِلَافِ الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّهُ يَقُولُ إنْ أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا فَلَمْ يَحْصُلْ بِالْإِسْلَامِ فُرْقَةُ بُطْلَانٍ أَوْ فَسْخٌ، وَإِذَا حَاضَتْ بَعْدَ إسْلَامِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمَا ثَلَاثَ حِيَضٍ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَيَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِمَنْ شَاءَتْ فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ انْقِضَاءُ عِدَّةٍ مِنْ غَيْرِ فُرْقَةٍ وَالْعِدَّةُ تَجِبُ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ لَا مَعَ بَقَائِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ارْتِكَابِهِ دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ يَقُومُ بِهِ التَّمَسُّكُ فَلَا يَلْزَمُنَا ارْتِكَابُ الْمَحْظُورِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَلَى حَالِهِ حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِالْإِبَاءِ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا انْتَهَى النِّكَاحُ بِهِ وَتَأَكَّدَ الْمَهْرُ بِهِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُصِرُّ صَبِيًّا مُمَيِّزًا أَوْ بَالِغًا حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِإِبَائِهِ؛ لِأَنَّ رِدَّتَهُ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فَكَذَا إبَاؤُهُ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِبَاءَ أَدْنَى؛ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ وَالرِّدَّةُ إنْكَارٌ فَكَانَ أَقْوَى وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا.

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا يَصِحُّ إبَاؤُهُ عِنْدَهُ قِيَاسًا عَلَى رِدَّتِهِ عِنْدَهُ وَمِنْهُمْ مِنْ صَحَّحَ إبَاءَهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّدَّةِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا غَيْرَ مُمَيِّزٍ يُنْتَظَرُ عَقْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَجْنُونًا حَيْثُ لَا يُنْتَظَرُ، بَلْ يُعْرَضُ عَلَى أَبَوَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا وَجَدَتْهُ عِنِّينًا فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ؛ لِأَنَّهُ يُرْجَى زَوَالُهُ بِهِ، وَلَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الِانْتِظَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِبَاؤُهُ طَلَاقٌ لَا إبَاؤُهَا)، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إبَاؤُهُ أَيْضًا لَا يَكُونُ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَبِمِثْلِهِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ كَالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ، وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ إلَيْهَا فَكُلُّ سَبَبٍ تُشَارِكُهُ الْمَرْأَةُ فِيهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ مِنْهَا لَا يَكُونُ طَلَاقًا إذَا وُجِدَ مِنْهُ كَمَا لَا يَكُونُ طَلَاقًا فِيمَا إذَا وُجِدَ مِنْهَا وَلَهُمَا أَنَّهُ فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ جَانِبِهِ فَتَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ فَإِنْ طَلَّقَ وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ وَلِهَذَا الْمَعْنَى صَارَتْ الْفُرْقَةُ بِسَبَبِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَكَانَ فِي جَعْلِ الْوَلَدِ تَبَعًا لَهُ) أَيْ لِلْكِتَابِيِّ دُونَ الْمَجُوسِيِّ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالزَّوْجُ مَجُوسِيٌّ فَأَسْلَمَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اعْلَمْ أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَ إنْ كَانَ بِحَالٍ يَجُوزُ اسْتِئْنَافُ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ كَالذِّمِّيِّ يَتَزَوَّجُ الذِّمِّيَّةَ ابْتِدَاءً، ثُمَّ يُسْلِمُ الرَّجُلُ وَذَلِكَ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّةَ ابْتِدَاءً يَجُوزُ عِنْدَنَا فَبَقَاءً أَوْلَى وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَجُوزُ اسْتِئْنَافُ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ، وَلَكِنْ يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْكَافِرِ فَإِنْ أَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا كَالنَّصْرَانِيَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ وَكَالْمَجُوسِيِّ إذَا أَسْلَمَ وَزَوْجَتُهُ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ وَثَنِيَّةٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ الْكَافِرِ مُطْلَقًا اهـ.

(قَوْلُهُ: إلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثِ حِيَضٍ) صَوَابُهُ ثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ إذْ الْعِدَّةُ عِنْدَهُ بِالْأَطْهَارِ وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ وَكَتَبَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْعَارِضَةِ) هِيَ عَارِضَةُ الْأَحْوَذِيِّ عَلَى شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَالتَّوَالُدُ وَنَحْوُهَا) قَالَ الرَّازِيّ وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ طَاعَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِزَوَالِ النِّعْمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْإِسْلَامُ طَاعَةُ سَبَبٍ لِثُبُوتِ الْعِصْمَةِ) «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» هَا (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ قَبْلَ إسْلَامِ الْآخَرِ اهـ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُصِرُّ صَبِيًّا مُمَيِّزًا) أَيْ يَعْقِلُ الْأَدْيَانَ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِبَاؤُهُ طَلَاقٌ) أَيْ بَائِنٌ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إبَاؤُهُ أَيْضًا لَا يَكُونُ طَلَاقًا) أَيْ بَلْ فَسْخًا لَا يُنْقِصُ شَيْئًا مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَحْرَمِيَّةُ) أَيْ بِالرَّضَاعِ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْمَحْرَمِيَّةَ مَا نَصُّهُ: وَلَكِنْ لَا يَبْطُلُ هَذَا بِالْخُلْعِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(فَرْعٌ) يَقَعُ طَلَاقُ زَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ وَزَوْجِ الْمُسْلِمَةِ الْآبِي بَعْدَ التَّفْرِيقِ عَلَيْهِمَا مَا دَامَتَا فِي الْعِدَّةِ، أَمَّا فِي الْإِبَاءِ فَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِالطَّلَاقِ، وَأَمَّا فِي الرِّدَّةِ فَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ غَيْرُ مُتَأَبِّدَةٍ فَإِنَّهَا تُرْفَعُ بِإِسْلَامٍ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ مُسْتَتْبِعًا فَائِدَتَهُ مِنْ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ حُرْمَةٌ مُغَيَّاةٌ بِوَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ فَإِنَّهَا مُتَأَبِّدَةٌ لَا غَايَةَ لَهَا فَلَا يُفِيدُ لُحُوقُ الطَّلَاقِ فَائِدَةً قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّهُ فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ) أَيْ فِي الْمُسَاعَدَةِ عَلَى الْإِيمَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ) أَيْ وَهُوَ الطَّلَاقُ اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ طَلَّقَ) أَيْ فَبِهَا وَنِعْمَتْ اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ) فَإِنْ قُلْت هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْإِبَاءَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ إنَّمَا الطَّلَاقُ تَفْرِيقُ الْقَاضِي بَعْدَ الْإِبَاءِ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ طَلَاقٌ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِبَاؤُهُ طَلَاقٌ قُلْت لَمَّا كَانَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015