الْعَقْدِ لَمَا جَازَ كَمَا لَا يَجُوزُ الْإِنْشَاءُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ وَلِهَذَا لَا تَتَنَصَّفُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَلَوْ كَانَ يَلْتَحِقُ لَتَنَصَّفَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ عَقْدَ مُبَادَلَةٍ وَمُغَابَنَةٍ فَلَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ، وَالْبَيْعُ عَقْدُ مُعَايَنَةٍ وَمُرَابَحَةٍ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِالِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ وَهَبَتْ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ تَهَبْ مِنْ الْمَقْبُوضِ شَيْئًا وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ وَهَبَتْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَقَبَضَتْ الْبَاقِيَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا إلَى تَمَامِ النِّصْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا آخَرَ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الذِّمَّةِ فَحُكْمُهُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَحُكْمِهَا لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ
وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرْضٍ بِعَيْنِهِ فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ وَوَهَبَتْهُ لَهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِجِهَةِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِتَعَيُّنِهِ فِي الْفَسْخِ كَمَا تَعَيَّنَ فِي الْعَقْدِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَفْعُ شَيْءٍ آخَرَ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ رَدُّهُ بِأَنْ دَخَلَهُ عَيْبٌ كَبِيرٌ يُمْنَعُ رَدُّهُ فَوَهَبَتْهُ لَهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا نِصْفَ قِيمَةِ الْعَرْضِ يَوْمَ قَبَضَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّبَ عَيْبًا فَاحِشًا امْتَنَعَ الرَّدُّ وَبَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُ الْعَيْنَ فَصَارَ كَأَنَّهَا وَهَبَتْهُ عَيْنًا أُخْرَى غَيْرَ الْمَهْرِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ أَوْ عَرْضٍ فِي الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ أَيْ مِثْلُ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِعَرْضٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مُتَعَيِّنٌ فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى ثُبُوتَ الْحَيَوَانِ فِي الذِّمَّةِ
وَكَذَا الْعَرْضُ لِلْجَهَالَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ لَكِنَّهَا جُوِّزَتْ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِيهِ فَيَجْرِي فِيهِ التَّسَامُحُ فِي الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ فَلَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِذَا عَيَّنَهُ فِي التَّسْلِيمِ يَصِيرُ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ آخَرَ فِي الذِّمَّةِ حَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهَا رَدُّ مَا قَبَضَتْ لِمَا بَيَّنَّا وَيَأْتِي خِلَافُ زُفَرَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وُصُولُهُ مِنْ الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ وَفِي الْغَايَةِ قَالَ زُفَرُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي تَعَيُّنِهَا، وَهَذَا بَعِيدٌ لَا يَكَادُ يَصِحُّ عَنْ زُفَرَ؛ لِأَنَّ وُصُولَهُ بِالْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ شَرْطٌ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَهْرُ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ أَوْ لَا، وَهَذَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ لَهُ رِوَايَتَانِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَكَحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا فَإِنْ وَفَّى وَأَقَامَ فَلَهَا الْأَلْفُ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ) لِلْمَسْأَلَةِ صُورَتَانِ، إحْدَاهُمَا أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا مَهْرًا وَيَشْتَرِطَ لَهَا مَعَهُ شَيْئًا آخَرَ يَنْفَعُهَا بِأَنْ تَزَوَّجَهَا مَثَلًا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا مَهْرًا عَلَى تَقْدِيرٍ وَيُسَمِّي خِلَافَهُ عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا، وَقَوْلُهُ: فَإِنْ وَفَّى أَيْ وَفَّى بِالشَّرْطِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ مَهْرًا، وَقَدْ تَمَّ رِضَاهَا بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ بِأَنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: يَرْجِعُ عَلَيْهَا إلَى تَمَامِ النِّصْفِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ عَلَى التَّمَامِ مِثْلَ مَا لَوْ قَبَضَتْ سِتَّمِائَةٍ وَوَهَبَتْ لَهُ أَرْبَعَمِائَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْمِائَةِ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ وَهُوَ ثَلَثُمِائَةٍ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَحُكْمُهُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَحُكْمِهَا) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مَا نَصُّهُ وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ إذَا كَانَ عَيْنًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ، وَإِذَا كَانَ دَيْنًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرْضٍ بِعَيْنِهِ) أَيْ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ كَمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ كَمَا سَيَجِيءُ بَعْدَ سِتَّةِ أَسْطُرٍ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ لَا هُوَ يَدْفَعُهَا غَيْرُهُ وَلَا هِيَ تَرُدُّ غَيْرَهُ اهـ، مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى دَيْنٍ لَا يَجْرِي فِيهِ الْقَرْضُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ لَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ مَا وَهَبَتْ الْمَهْرَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْهِبَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الْإِسْقَاطِ يَتَعَيَّنُ، وَكَذَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا قَبَضَتْ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْحَيَوَانُ أَوْ الْعَرْضُ صَارَ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى عَيْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ، وَهَذَا فِيمَا إذَا بَيَّنَ نَوْعَ الْحَيَوَانِ وَنَوْعَ الْعَرْضِ بِأَنْ قَالَ عَلَى فَرَسٍ أَوْ عَلَى حِمَارٍ أَوْ عَلَى ثَوْبٍ مَرْوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ مُطْلَقَ الْحَيَوَانِ وَمُطْلَقَ الْعَرْضِ تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ مَوْزُونٍ آخَرَ) أَيْ مَوْزُونٍ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ يَعْنِي يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ إذَا وَهَبَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا أَعْنِي إذَا كَانَ دَيْنًا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْقَرْضُ كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ فَقَبَضَتْهُ فَوَهَبَتْهُ فَطَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ كَهِبَةِ مَالٍ آخَرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَتْ عَرْضَ الصَّدَاقِ مِنْ الزَّوْجِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ بِعِوَضٍ وَكَانَ حَقُّهُ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ بِلَا عِوَضٍ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ قَبَضَتْ الصَّدَاقَ وَوَهَبَتْهُ لِأَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ وَهَبَهُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الزَّوْجِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ، الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ سَلَامَةُ نِصْفِ الصَّدَاقِ لَهُ مِنْ جِهَتِهَا عِنْدَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ إنَّمَا سُلِّمَ لَهُ مَالٌ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ بِالْهِبَةِ وَتَبَدُّلُ الْمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) يُرِيدُ إذَا سَمَّى لَهَا أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَلَا شَيْءَ لَهَا غَيْرُهُ اهـ. غَايَةٌ