فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ مَقْصُودًا، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ مَلَكَ الْبُضْعَ بِالْمَهْرِ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ عِوَضَ مِلْكِهِ فَلَا تَصِحُّ فَتَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً فَيُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطُ الْهِبَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24]؛ وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الْعَقْدِ زَمَنٌ لِفَرْضِ الْمَهْرِ وَلِهَذَا جَازَ فَرْضُهُ فِيهِ إذَا لَمْ يُفْرَضْ عِنْدَ الْعَقْدِ فَكَانَ حَالَةَ الزِّيَادَةِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ فَيُسْتَنَدُ إلَى حَالَةِ الْعَقْدِ
وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَبْطُلُ بِمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ فِي الْعَقْدِ شَيْئًا، ثُمَّ فَرَضَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ بُضْعَهَا بِلَا مَهْرٍ عِنْدَهُ فَإِذَا فَرَضَ لَهَا يَجِبُ الْمَهْرُ بِالْفَرْضِ لَا بِالْعَقْدِ، فَيَكُونُ الْمَفْرُوضُ بِإِزَاءِ مِلْكِهِ الْحَاصِلِ قَبْلَ فَرْضِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَلْوَةُ بِلَا مَرَضِ أَحَدِهِمَا وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَإِحْرَامٍ وَصَوْمِ فَرْضٍ كَالْوَطْءِ) حَتَّى يَجِبَ الْمَهْرُ بِهِ كَامِلًا كَمَا يَجِبُ بِالْوَطْءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَدِيدِ: يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237]، الْآيَةَ. وَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفًى بِالْوَطْءِ فَلَا يَتَأَكَّدُ الْمَهْرُ دُونَهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ كَشَفَ خِمَارَ امْرَأَةٍ وَنَظَرَ إلَيْهَا وَجَبَ الصَّدَاقُ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ»، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِهِ وَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَمُعَاذٍ، وَمِثْلُهُ حَكَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ
وَقَالَ أَيْضًا هُوَ اتِّفَاقُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ؛ وَلِأَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ حَيْثُ رَفَعَتْ الْمَوَانِعَ وَذَلِكَ وُسْعُهَا فَيَتَأَكَّدُ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ، وَقَالَ تَعَالَى {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21] أَوْجَبَ جَمِيعَ الْمَهْرِ بَعْدَ الْإِفْضَاءِ وَهُوَ الْخَلْوَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْفَضَاءِ قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] فَقَدْ دَخَلَهَا خُصُوصٌ عَلَى مَا مَرَّ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهَا بِمَا ذَكَرْنَا أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَسِّ الْخَلْوَةَ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرَطَ أَنْ تَكُونَ الْخَلْوَةُ بِلَا مَانِعٍ مِنْ الْمَوَانِعِ الَّتِي ذَكَرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ مَعَ الْمَانِعِ، وَالْخَلْوَةُ إنَّمَا جُعِلَتْ كَالدُّخُولِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْهُ وَمَعَ الْمَانِعِ لَا يَتَمَكَّنُ فَلَا تَكُونُ صَحِيحَةً وَالْمَوَانِعُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ حِسِّيٌّ وَطَبْعِيٌّ وَشَرْعِيٌّ وَالْمُرَادُ بِالْمَرَضِ مَرَضُ أَحَدِهِمَا أَيَّهُمَا كَانَ إذَا كَانَ مَرَضًا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ، وَقِيلَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَرَضِهَا وَأَمَّا مَرَضُهُ فَمَانِعٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَرِّي عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ عَادَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَالْحَيْضُ مَانِعٌ طَبْعًا وَشَرْعًا، وَكَذَا النِّفَاسُ وَالْإِحْرَامُ بِحَجِّ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ عُمْرَةٍ مَانِعٌ شَرْعًا لِمَا يَلْزَمُهُ بِالْجِمَاعِ مِنْ الدَّمِ وَالْقَضَاءِ لِفَسَادِ الْإِحْرَامِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ مَانِعٌ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا يَلْزَمُهُمَا بِالْجِمَاعِ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ
وَأَمَّا صَوْمُ التَّطَوُّعِ وَالْمَنْذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْقَضَاءِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِفْسَادِ فَإِنْ قِيلَ فِي النَّفْلِ لُزُومُ الْقَضَاءِ فَصَارَ كَرَمَضَانَ قُلْنَا اللُّزُومُ لِضَرُورَةِ صِيَانَةِ الْمُؤَدَّى فَيَتَقَدَّرُ بِهَا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَالصَّلَاةِ كَالصَّوْمِ فَرْضُهَا كَفَرْضِهِ وَنَفْلُهَا كَنَفْلِهِ، وَمِنْ الْمَوَانِعِ لِصِحَّةِ الْخَلْوَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ عَفْلَاءَ أَوْ شَعْرَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ لَا يَجِبُ بِخَلْوَتِهِ كَمَالُ الْمَهْرِ
وَقَالَ شَرَفُ الْأَئِمَّةِ: إنْ كَانَ يَشْتَهِي وَتَتَحَرَّكُ آلَتُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُكْمِلَ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ لَا تَكُونُ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّالِثُ بَصِيرًا أَمْ أَعْمَى يَقْظَانَ أَوْ نَائِمًا بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى يَحُسُّ وَالنَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ أَوْ يَتَنَاوَمُ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQصُورَةَ الْمَوْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ بَلْ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي الْمَوْتِ انْقَطَعَ النِّكَاحُ وَفَاتَ مَحَلُّ التَّمْلِيكِ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ الْمَحَلُّ قَابِلٌ اهـ. طَرْسُوسِيٌّ
(قَوْلُهُ: حَتَّى يَجِبَ الْمَهْرُ بِهِ) أَيْ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ اهـ. قُنْيَةٌ وَمِنْ فُرُوعِ لُزُومِ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ عَلَى بَطْنِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالزِّنَا؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْحَدُّ بِالتَّزَوُّجِ قَبْلَ تَمَامِ الزِّنَا وَالْمَهْرُ الْمُسَمَّى بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَزِيدُ عَلَى الْخَلْوَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ إلَخْ) يَتَضَمَّنُ مَنْعَ تَوَقُّفِ وُجُوبِ الْكَمَالِ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ بَلْ عَلَى التَّسْلِيمِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ) أَيْ وَالْإِجَارَةِ يَعْنِي أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْبَدَلِ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ لَا حَقِيقَةُ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ الْمُوجَبُ فِيهِمَا التَّسْلِيمُ وَهُوَ رَفْعُ الْمَوَانِعِ وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرُ مَنْفَعَةً أَصْلًا فَكَذَا فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ يَكُونُ تَسْلِيمُ الْبُضْعِ بِذَلِكَ بَلْ أَوْلَى اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَقَدْ دَخَلَهَا خُصُوصٌ) أَيْ بِمَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى غَيْرَ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَحْوِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَتَنَصَّفُ اهـ. (قَوْلُهُ: بِطَرِيقِ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَسُّ اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى السَّبَبِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْخَلْوَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: حِسِّيٌّ) أَيْ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَطَبْعِيٌّ) قَالَ الْعَيْنِيُّ كَكَوْنِ الْمَرْأَةِ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ شَعْرَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ اهـ. وَقَالَ الرَّازِيّ أَمَّا الْمَانِعُ الْحِسِّيُّ فَكَمَرَضِ أَحَدِهِمَا اهـ. (فَرْعٌ). وَلَوْ أَزَالَ بَكَارَةَ امْرَأَتِهِ بِحَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ اهـ. دِيَاتُ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا صَوْمُ التَّطَوُّعِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَائِمًا تَطَوُّعًا فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى، وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. فَقَوْلُهُ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَيْ رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى فِي حَقِّ كَمَالِ الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا أَمَّا فِي حَقِّ جَوَازِ الْإِفْطَارِ فَالصَّحِيحُ غَيْرُهَا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِعُذْرٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ بَحْثًا أَنَّ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى فِي جَوَازِ الْإِفْطَارِ بِلَا عُذْرٍ، ثُمَّ وُجُوبُ الْقَضَاءِ أَقْعَدُ بِالدَّلِيلِ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ وَيَجْعَلُهُ إثْمًا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: أَوْ شَعْرَاءَ) أَيْ خَشِنَةً اهـ. قَامُوسٌ