عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِشَفَقَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ
وَقَدْ أَثَّرَ النُّقْصَانُ حُكْمًا حَتَّى امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ فِي الْمَالِ وَلِوُجُودِ أَصْلِ الشَّفَقَةِ نَفَّذْنَاهُ فِي الْحَالِ وَلِقُصُورِهَا أَثْبَتْنَا لَهُمَا الْخِيَارَ فِي الْمَآلِ لِيُزَالَ الضَّرَرُ لَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ وَيُضَافَ إلَى اخْتِيَارِهِمَا إلَى أَنْفُسِهِمَا فَيَبْرَأُ الْأَوْلِيَاءُ عَنْ عُهْدَةِ الْيَتَامَى بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ؛ لِأَنَّهُمَا وَافِرَا الشَّفَقَةِ تَامَّا الْوِلَايَةِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَعَلَى هَذَا الْمَعْتُوهُ وَالْمَعْتُوهَةُ إذَا زَوَّجَهُمَا الْأَبُ وَالْجَدُّ لَا خِيَارَ لَهُمَا إذَا أَفَاقَا، وَإِنْ زَوَّجَهُمَا الِابْنُ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ وَلَا خِيَارَ فِي الْأَبِ فَهَذَا أَوْلَى وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ الصَّغِيرَةَ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا، ثُمَّ بَلَغَتْ لَا يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ لِكَمَالِ وِلَايَتِهِ فَصَارَ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ؛ وَلِأَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يُغْنِي عَنْ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعَبْدُ الصَّغِيرُ كَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْبُلُوغِ عَلَى الْأَصَحِّ
وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ يَتَنَاوَلُ الْأُمَّ وَالْقَاضِيَ حَتَّى إذَا زَوَّجَهُمَا الْقَاضِي وَالْأُمُّ يَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِلْزَامِ تُبْنَى عَلَى الرَّأْيِ الْكَامِلِ وَالشَّفَقَةِ الْوَافِرَةِ، وَالْمَوْجُودُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدُهُمَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْمَالَ وَالنَّفْسَ، وَشَفَقَةُ الْأُمِّ فَوْقَ شَفَقَةِ الْأَبِ فَكَانَا كَالْأَبِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ وِلَايَةِ الْأَخِ وَالْعَمِّ فَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الْحَاجِبِ فَفِي الْمَحْجُوبِ أَوْلَى، وَقَوْلُهُ بِشَرْطِ الْقَضَاءِ أَيْ لَهُمَا الْخِيَارُ بِشَرْطِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ؛ لِأَنَّ فِي أَصْلِهِ ضَعْفًا إذْ هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَكَذَا فِي سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ تَرْكُ الْوَلِيِّ النَّظَرَ وَلَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيُوقَفُ عَلَى الْقَضَاءِ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَوِيٌّ وَهُوَ تَخْيِيرُ الزَّوْجِ وَبِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ مَقْطُوعٌ بِهِ وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا وَلِهَذَا يَخْتَصُّ بِالْأُنْثَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ مُرَاجَعَتَهَا فِي قُرْأَيْنِ وَيَمْلِكُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِحَيْضَتَيْنِ
وَقَدْ ازْدَادَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَدْفَعَ الزِّيَادَةَ؛ وَلِأَنَّ وِلَايَةَ الْمَوْلَى لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَصَارَ الْعَقْدُ فِي حَقِّ هَذِهِ الزِّيَادَةِ كَأَنَّهُ وُجِدَ الْآنَ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِرِضَاهَا فَكَانَ الِاخْتِيَارُ مِنْهَا دَفْعًا لِلْحُكْمِ عَنْ الثُّبُوتِ لَا رَفْعًا لَهُ بَعْدَ الثُّبُوتِ، وَالدَّفْعُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ أَمْرٌ يَسْتَقِلُّ بِهِ الدَّافِعُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ وِلَايَةَ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَتِمُّ بِالْخَصْمِ دُونَ الْحَكَمِ؛ وَلِأَنَّهَا تَنْفَرِدُ بِدَفْعِ أَصْلِ الْمِلْكِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ النِّكَاحُ بِدُونِ رِضَاهَا فَكَذَا تَنْفَرِدُ بِدَفْعِ الزِّيَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَدْفَعَ الزِّيَادَةَ إلَّا بِدَفْعِ مَا كَانَ ثَابِتًا فَمَلَكَتْ دَفْعَهُ ضِمْنًا وَلَا يُقَالُ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ دَافِعَةً لِلزِّيَادَةِ فَهِيَ مُبْطِلَةٌ لِمَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ، فَبِمَاذَا تَرَجَّحَ جَانِبُهَا؟
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ الْخِيَارَاتُ ثَلَاثَةٌ خِيَارُ الْمُدْرَكَةِ وَخِيَارُ الْمُعْتَقَةِ وَخِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ، فَخِيَارُ الْمُدْرَكَةِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَبْطُلْ الْخِيَارُ بِالسُّكُوتِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ فَلَا يَبْطُلُ إلَّا بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى إبْطَالِ الْخِيَارِ كَمَا إذَا اشْتَغَلَتْ بِشَيْءٍ آخَرَ أَوْ أَعْرَضَتْ عَنْ الْخِيَارِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَعِلْمُ النِّكَاحِ شَرْطٌ وَعِلْمُ الْخِيَارِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَأَمَّا خِيَارُ الْمُعْتَقَةِ فَلَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ وَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ الِاخْتِيَارِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَيَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ الْخِيَارِ لَهَا أَيْ لِلْمُعْتَقَةِ لَا لِلْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّ جَهْلَ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ جَهْلٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا خِيَارَ لَهُمَا إذَا أَفَاقَا) وَإِنْ زَوَّجَهُمَا الْأَخُ أَوْ الْعَمُّ، ثُمَّ أَفَاقَ كَانَ لَهُمَا الْخِيَارُ اهـ. عِمَادِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُمَا الْخِيَارُ) هَذِهِ عِبَارَةُ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: فَهَذَا أَوْلَى) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ لَهُمَا الْخِيَارَ اهـ. فُصُولٌ فِي (قَوْلِهِ: لَا يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ) وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا قَالَهُ السُّرُوجِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: لَهُ خِيَارُ الْبُلُوغِ عَلَى الْأَصَحِّ) إلَّا أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ خِيَارُ الْعِتْقِ فَيُطَلِّقُ إنْ شَاءَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَهُمَا الْخِيَارُ بِشَرْطِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ فِي الْفُرْقَةِ فِي مَوَاضِعَ هَذِهِ وَالْفُرْقَةُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ وَكُلُّهَا فَسْخٌ، وَالْفُرْقَةُ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ وَكُلُّهَا طَلَاقٌ وَبِإِبَاءِ زَوْجِ الذِّمِّيَّةِ الَّتِي أَسْلَمَتْ وَهِيَ طَلَاقٌ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَرْقَ الطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ وَمَا يَحْتَاجُ مِنْهَا إلَى الْقَضَاءِ فِي قَوْلِهِ:
فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْإِعْتَاقِ ... فُرْقَةٌ حُكْمُهَا بِغَيْرِ طَلَاقِ
فَقْدُ كُفْءٍ كَذَا وَنُقْصَانُ مَهْرٍ ... وَنِكَاحٌ فَسَادُهُ بِاتِّفَاقِ
مِلْكُ إحْدَى الزَّوْجَيْنِ أَوْ بَعْضِ زَوْجٍ ... وَارْتِدَادٌ كَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ
ثُمَّ جَبٌّ وَعُنَّةٌ وَلِعَانٌ ... وَإِبَاءُ الزَّوْجِ فُرْقَةً بِطَلَاقِ
وَقَضَاءُ الْقُضَاةِ فِي الْكُلِّ شَرْطٌ ... غَيْرَ مِلْكٍ وَرِدَّةٍ وَعَتَاقِ
وَقَوْلُهُ: بِاتِّفَاقٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا فَإِنَّ نِكَاحَهَا جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَالْفُرْقَةُ مِنْهُ بِطَلَاقٍ عِنْدَهُمَا وَفَسْخٍ عِنْدَهُ، وَقَوْلُهُ: عَلَى الْإِطْلَاقِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الرِّدَّةِ مِنْ الزَّوْجِ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ فَهِيَ فَسْخٌ وَكُلُّ فُرْقَةٍ بِطَلَاقٍ إذَا وَقَعَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ طَلْقَةٌ وَقَعَتْ إلَّا فِي اللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً وَكُلُّ فُرْقَةٍ تُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهَا اهـ. قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الرِّدَّةِ: رَجُلٌ ارْتَدَّ مِرَارًا وَجَدَّدَ الْإِسْلَامَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَجَدَّدَ النِّكَاحَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَحِلُّ لَهُ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الرِّدَّةَ لَا تَكُونُ طَلَاقًا وَإِبَاءَ الزَّوْجِ عَنْ الْإِسْلَامِ يَكُونُ طَلَاقًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رِدَّتُهُ وَإِبَاؤُهُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كِلَاهُمَا طَلَاقٌ وَرِدَّةُ الْمَرْأَةِ وَإِبَاؤُهَا لَا يَكُونُ طَلَاقًا اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ) أَيْ فَإِنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلَا قَضَاءٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ) أَيْ حَيْثُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي بَلْ تَثْبُتُ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْمُعْتَقَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: ضِمْنًا) أَيْ لِدَفْعِ الزِّيَادَةِ لَا قَصْدًا اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لَمَّا كَانَ ثَابِتًا مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ) أَيْ وَالزَّوْجُ يَبْقَى مِلْكُهُ الثَّابِتُ، ثُمَّ تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ ضِمْنًا لَهُ اهـ. كَاكِيٌّ