بِالنُّبُوَّةِ وَلَوْ كَانَ زَوَّجَ بِهَا لَمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنَعَ الْأَوْلِيَاءَ مِنْ التَّزْوِيجِ وَزَوَّجَ هُوَ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ
، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ»، ذَكَرَهُ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي حَقِّ الْكَبِيرَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي الصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا أَعْجَزُ وَأَمَسُّ حَاجَةً؛ لِأَنَّ الْخَاطِبَ قَدْ لَا يَنْتَظِرُ إلَى الْبُلُوغِ فَيَفُوتُ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ عَقْدِهِ لِوُجُودِ أَصْلِ الشَّفَقَةِ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَظْهَرْنَاهُ فِي عَدَمِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِتَكَرُّرِهِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232] أَيْ فِي نِكَاحِ الْيَتَامَى هَكَذَا فَسَّرَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -؛ وَلِأَنَّ تَأْثِيرَ الْبُلُوغِ فِي زَوَالِ الْوِلَايَةِ عَنْهَا لِقُدْرَتِهَا عَلَى التَّصَرُّفِ وَاعْتِدَالِ عَقْلِهَا بِهِ، وَلِهَذَا تُوَجَّهُ التَّكَالِيفُ الشَّرْعِيَّةُ إلَيْهَا فَمَنْ أَثْبَتَ الْوِلَايَةَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَمَنَعَهَا قَبْلَهُ فَقَدْ عَكَسَ الْمَعْنَى وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ لِوَلِيِّهَا فِي مَالِهَا حَالَةَ الصِّغَرِ
فَإِذَا بَلَغَتْ انْتَفَتْ الْوِلَايَةُ عَنْهَا فَكَذَا الْوِلَايَةُ عَلَى النَّفْسِ وَجَبَ أَنْ تَجْرِيَ عَلَى الْقَوَاعِدِ كَمَا فِي الْغُلَامِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ آدَمِيَّتِهَا وَإِلْحَاقِهَا بِالْبَهَائِمِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لَا بِرِضَاهَا وَلَا بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ قَابِلًا لِلنِّكَاحِ، فَيَكُونُ بَاطِلًا؛ وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَمَّا ثَبَتَتْ عَلَيْهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ مَعَ قُدْرَتِهَا عَلَى قَاعِدَتِهِمْ كَانَ ثُبُوتُهَا فِي صِغَرِهَا وَهِيَ أَعْجَزُ وَأَوْلَى
وَقَوْلُهُ: لِكَوْنِ الثِّيَابَةِ سَبَبًا لِحُدُوثِ الرَّأْيِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْبَالِغَةِ وَأَمَّا فِي الصَّغِيرَةِ فَلَا تَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ الرَّأْيِ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ وَلِهَذَا لَا تُوجِبُ فِي حَقِّ الْغُلَامِ شَيْئًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا الْبَكَارَةُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا عَدَمُ الْعَقْلِ أَوْ نُقْصَانُهُ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَالِهَا إجْمَاعًا، وَكَذَا فِي حَقِّ الْغُلَامِ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْمَجْنُونَةِ إجْمَاعًا وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهَا ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا فَكَذَا الصَّغِيرَةُ، وَقَوْلُهُ بِتَرْتِيبِ الْإِرْثِ يَعْنِي أَوْلَاهُمْ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا إلَّا فِي الْمَعْتُوهِ وَالْمَعْتُوهَةِ لَا فِي الصِّغَارِ، ثُمَّ الْأَبُ وَأَبُ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ الْإِخْوَةُ إلَّا الْأَخَ مِنْ الْأُمِّ، ثُمَّ الْأَعْمَامُ إلَّا الْعَمَّ مِنْ الْأُمِّ، ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ كَذَلِكَ، ثُمَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، ثُمَّ عَصَبَةُ الْمَوْلَى، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْأَخَ وَالْجَدَّ يَشْتَرِكَانِ فِي الْوِلَايَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَالْمِيرَاثِ عِنْدَهُمَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى بِالتَّزْوِيجِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ شَفَقَةَ الْجَدِّ مِثْلُ شَفَقَةِ الْأَبِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُمَا الْخِيَارُ إذَا زَوَّجَهُمَا الْجَدُّ كَمَا فِي الْأَبِ وَالِابْنِ أَوْلَى مِنْ الْأَبِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَقَالَ الرَّازِيّ ادَّعَى مُحَمَّدٌ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَهُ، ثُمَّ السُّلْطَانُ وَلَا وِلَايَةَ لِلْقَاضِي فِي تَزْوِيجِ الصِّغَارِ الَّذِينَ لَا وَلِيَّ لَهُمْ إلَّا إذَا شَرَطَ لَهُ السُّلْطَانُ فِي عَهْدِهِ، وَمَنْشُورِهِ وَلَوْ زَوَّجَ الصِّغَارَ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَأَجَازَ مَا صَنَعَ، قِيلَ يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ اسْتِحْسَانًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُمَا خِيَارُ الْفَسْخِ بِالْبُلُوغِ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ بِشَرْطِ الْقَضَاءِ) أَيْ لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ خِيَارُ الْفَسْخِ إذَا بَلَغَا فِيمَا إذَا زَوَّجَهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا خِيَارَ لَهُمَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَقَدْ صَدَرَ مِنْ الْوَلِيِّ فَلَا يُفْسَخُ قِيَاسًا عَلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَمْ تُشْرَعْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ النَّظَرِ صِيَانَةً عَنْ الْإِفْضَاءِ إلَى الضَّرَرِ، وَإِذَا صَحَّ النَّظَرُ قَامَ عَقْدُ الْوَلِيِّ مَقَامَ عَقْدِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَلَهُمَا مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ مِمَّنْ هُوَ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَيَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ إذَا مَلَكَا أَنْفُسَهُمَا كَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ إذَا عَتَقَتْ، وَهَذَا لِأَنَّ أَصْلَ الشَّفَقَةِ مَوْجُودٌ وَلَكِنَّهَا قَاصِرَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ») وَيُرْوَى النِّكَاحُ فِي الْعَصَبَاتِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ) أَيْ السَّرَخْسِيُّ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَثْبُتُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَا فِيهِ) أَيْ فِي الْقَرِيبِ اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْقُصُورِ) أَيْ قُصُورِ الشَّفَقَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَكَرُّرِهِ) أَيْ بِأَنْ بَاعَ وَلِيُّهُ، ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ وَغَابَ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُ الْخَلَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الظَّفْرُ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِغَيْبَتِهِ أَوْ لِمَوْتِهِ أَوْ لِنِسْيَانِهِ أَوْ يَتَطَرَّقُ عَلَى الْعِوَضِ التَّوَى فَلَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَنَا عَدَمُ الْعَقْلِ) أَيْ فِي الْمَجْنُونِ (قَوْلُهُ: أَوْ نُقْصَانُهُ) أَيْ فِي الصَّغِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ) أَيْ الْمُصَنِّفِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا إلَّا فِي الْمَعْتُوهِ) الْمَعْتُوهُ النَّاقِصُ الْعَقْلِ، وَقِيلَ الْمَدْهُوشُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ، وَقَدْ عَتِهَ عَتَهًا وَعَتَاهَةً وَعَتَاهِيَةً قَالَهُ فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الْمِصْبَاحِ عَتِهَ عَتَهًا مِنْ بَابِ تَعِبَ وَعَتَاهًا بِالْفَتْحِ نَقَصَ عَقْلُهُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ لُغَةٌ فِي عُتِهَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عَتَاهَةً بِالْفَتْحِ وَعَتَاهِيَةً بِالتَّخْفِيفِ فَهُوَ مَعْتُوهٌ بَيِّنُ الْعَتَهِ اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ الصَّبِيُّ وَالنَّائِمُ وَالْمَعْتُوهُ» هُوَ الْمَجْنُونُ الْمُصَابُ بِعَقْلِهِ اهـ. وَفِي الصِّحَاحِ الْمَعْتُوهُ النَّاقِصُ الْعَقْلِ وَالتَّعَتُّهُ التَّجَنُّنُ وَالرُّعُونَةُ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ رَجُلٌ عَتَاهِيَةٌ وَهُوَ الْأَحْمَقُ اهـ. وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ التَّعَتُّهُ التَّجَنُّنُ وَالرُّعُونَةُ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ الْمَعْتُوهُ النَّاقِصُ الْعَقْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى إلَخْ) وَلَوْ كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءُ فَأَيُّهُمْ زَوَّجَهَا جَازَ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُزَوِّجْهَا الْكُلُّ اهـ. مُخْتَصَرُ الْمُحِيطِ فَإِنْ عَقَدَ كُلٌّ عَلَيْهَا وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ بَطَلَ الْجَمِيعُ اهـ. كَشْفُ شَرْحٍ بَزْدَوِيٍّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ) أَيْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمِيرَاثِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَذِنَ لَهُ) أَيْ فِي تَزْوِيجِ الصَّغَائِرِ وَالصِّغَارِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: بِشَرْطِ الْقَضَاءِ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ خِيَارُ الْفَسْخِ اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) يَعْنِي آخَرَ، وَقَوْلُهُ: الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَ اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا مَا رَوَيْنَا) أَيْ مِنْ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِنْتِ حَمْزَةَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ» اهـ.