لَا يَحْصُلَ الْوَلَدُ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ عَاقِرًا أَوْ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ التَّزَوُّجِ فَكَذَا لَهُ أَنْ لَا يَحْصُلَ وَصْفُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْوَلَدِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ لَا عَكْسِهِ) أَيْ يَجُوزُ تَزَوُّجُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ طَوْلَ الْحُرَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّزَوُّجِ بِالْأَمَةِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي حَقِّ الْحُرِّ فَقَطْ فَلَا يَكُونُ نِكَاحُهَا ضَرُورِيًّا فِي حَقِّهِ عِنْدَهُ وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ ذَلِكَ بِرِضَا الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ لَا يَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ عِنْدَهُ حَتَّى جَازَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا بِإِذْنِ الْمَوْلَى عِنْدَهُ لَكِنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لِاحْتِرَامِ الْحُرَّةِ كَيْ لَا يَلْحَقَهَا زِيَادَةُ غَضَاضَةٍ بِإِدْخَالِ الْأَمَةِ عَلَيْهَا فَكَانَ الْمَنْعُ لِحَقِّهَا فَيَرْتَفِعُ بِرِضَاهَا، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] يَتَنَاوَلُ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَلِأَنَّ الْحِلَّ نِعْمَةٌ وَكَرَامَةٌ فَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ لِنُقْصَانِهِ وَشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ تُنَصَّفُ نَفْسِ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فَأَظْهَرْنَا النُّقْصَانَ فِي حُقُوقِ النِّكَاحِ وَأَحْكَامِهِ كَالْقَسْمِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ، وَفِي الْأَحْوَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ نِكَاحُ الْأَمَةِ إلَّا مُنْفَرِدَةً، وَلَا يَجُوزُ حَالَةَ الِانْضِمَامِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهُمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ صَحَّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ، وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْإِمَاءِ وَخَمْسًا مِنْ الْحَرَائِرِ فِي عَقْدٍ صَحَّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ بِالْخَمْسِ بَاطِلٌ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْجَمْعُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْعَكْسُ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَهُوَ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، وَالْحُرَّةُ فِي الْعِدَّةِ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَزَوُّجٍ عَلَيْهَا وَهُوَ الْمُحَرَّمُ، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ بِدَلِيلِ جَوَازِهِ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِخِلَافِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا، أَوْ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُنَاكَ الْجَمْعُ، وَقَدْ تَحَقَّقَ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِالتَّزَوُّجِ بَعْدَمَا أَبَانَهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ حُكْمَ قِيَامِ النِّكَاحِ فَالِاحْتِيَاطُ الْمَنْعُ فَأَشْبَهَ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا وَنِكَاحَ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي قَسْمِهَا غَيْرُهَا؛ وَلِأَنَّ بَقَاءَ النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ لَا يَكْفِي لِلْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحِنْثِ وُجُودُ الشَّرْطِ صُورَةً وَمَعْنًى حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالشَّكِّ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، وَهَذَا لَيْسَ يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا عُرْفًا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَرْبَعٍ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجُ أَرْبَعٍ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَالنَّصُّ عَلَى الْعَدَدِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ مِنْ الْإِمَاءِ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ ضَرُورِيٌّ عِنْدَهُ وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِوَاحِدَةٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا؛ إذْ لَفْظُ النِّسَاءِ يَنْتَظِمُ الْحَرَائِرَ وَالْإِمَاءَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ يَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِالتِّسْعِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاحَ ثِنْتَيْنِ بِقَوْلِهِ مَثْنَى ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ بِالْوَاوِ، وَهِيَ لِلْجَمْعِ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ تِسْعًا، وَمِثْلُهُ عَنْ النَّخَعِيّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى
وَقَالَ بَعْضُ الشِّيعَةِ وَالْخَوَارِجُ: يَجُوزُ ثَمَانِي عَشْرَةَ امْرَأَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مَثْنَى يُفِيدُ التَّكْرَارَ لِكَوْنِهِ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ مُكَرَّرًا وَكَذَلِكَ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ، وَأَقَلُّ التَّكْرَارِ مَرَّتَانِ فَيَكُونُ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَحَكَى الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَا شَاءَ مِنْ الْعَدَدِ غَيْرَ مَحْصُورٍ؛ لِأَنَّ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يُفِيدُ التَّكْرَارُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ وَهَؤُلَاءِ خَرَقُوا الْإِجْمَاعَ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعْت عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيمَا ذَكَرُوا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ وَإِنْ كَانَتْ تَقْتَضِي التَّكْرَارَ لَكِنْ تُفِيدُ تَكْرَارَ النَّاكِحِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْجَمْعِ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ فَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ) وَهُوَ إجْمَاعٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ) أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ» الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ «وَتَتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا تَتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وَفِيهِ مُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ بِسَنَدِهِ إلَى الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ قَالَ: وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ» قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلُ الْحَسَنِ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا مُرْسَلًا وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ، وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ نَحْوَهُ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: تَتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ، وَلَا تَتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ، وَعَنْ مَكْحُولٍ نَحْوَهُ، فَهَذِهِ آثَارٌ ثَابِتَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تُقَوِّي الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ لَوْ لَمْ نَقُلْ بِحُجِّيَّتِهِ فَوَجَبَ قَبُولُهُ. اهـ. كَمَالٌ
(قَوْلُهُ وَهُوَ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ) أَيْ وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ) قُيِّدَ بِالْبَائِنِ؛ لِأَنَّ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ اتِّفَاقًا وَقَوْلُهُمَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا) أَيْ لَا يُقَالُ: تَزَوَّجَ عَلَيْهَا إذَا تَزَوَّجَ، وَهِيَ مُبَانَةٌ مُعْتَدَّةٌ. اهـ. كَمَالٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَأَرْبَعٍ) بِالْجَرِّ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ أَيْ وَحَلَّ أَيْضًا تَزْوِيجُ أَرْبَعٍ. اهـ. عَيْنِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا الْجَوَارِي فَلَهُ مَا شَاءَ مِنْهُنَّ وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَأَلْفُ جَارِيَةٍ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً أُخْرَى فَلَامَهُ رَجُلٌ يَخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرَ، وَقَالُوا: إذَا تَرَكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ خَوْفَ أَنْ يُدْخِلَ الْغَمَّ عَلَى زَوْجَتِهِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ كَانَ مَأْجُورًا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: مَثْنَى يُفِيدُ التَّكْرَارَ) وَفِي الْبَدَائِعِ أَدْنَى مَا يُرَادُ بِالْمَثْنَى مَرَّتَانِ وَبِالثَّلَاثِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ قُلْت: هَذَا سَهْوٌ مِنْهُ بَلْ أَدْنَى مَا يُرَادُ مِنْ ثَلَاثٌ سِتَّةٌ. اهـ. غَايَةٌ