لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ أَيْ لَا يَطَأُ الْمُحْرِمُ، وَلَا تُمَكِّنُ الْمُحْرِمَةُ مِنْ الْوَطْءِ، وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الشَّخْصِ، وَلَا يُعَارَضُ بِمَا رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَزَوَّجَ بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ»؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ يَزِيدَ لَا تُعَارِضُ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِهَذَا قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ لِلزُّهْرِيِّ: وَمَا يَدْرِي ابْنُ الْأَصَمِّ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى سَاقِهِ أَتَجْعَلُهُ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّزَوُّجِ الْبِنَاءَ بِهَا مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فَجَازَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْبِنَاءِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ - أَيْضًا - ضَعِيفٌ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: رَفَعَهُ مِنْ رِوَايَةِ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، وَهُوَ لَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: هُوَ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، وَوَصْلُهُ غَلَطٌ وَبَيْنَ وَجْهِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ الَّذِينَ رَوَوْا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَزَوَّجَ بِهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَهْلُ فِقْهٍ، وَثَبَتَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فَلَا تُعَادِلُهُمْ رُوَاةُ حَدِيثِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَمَةِ، وَلَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً) أَيْ جَازَ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ كِتَابِيَّةً وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً كِتَابِيَّةً وَيَجُوزُ بِالْمُسْلِمَةِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] أَبَاحَ نِكَاحَ الْإِمَاءِ بِشَرْطَيْنِ: عَدَمُ الطَّوْلِ، وَأَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً فَإِذَا انْتَفَيَا أَوْ انْتَفَى أَحَدُهُمَا انْتَفَى الْحُكْمُ، وَهُوَ الْحِلُّ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْحُكْمَ مَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ أَوْ أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ أَوْجَبَ ذَلِكَ نَفْيَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ أَوْ الشَّرْطِ؛ وَلِأَنَّ جَوَازَ نِكَاحِهِنَّ ضَرُورِيٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْجُزْءِ الْحُرِّ عَلَى الرِّقِّ، وَهُوَ مَوْتٌ حُكْمًا فَصَارَ كَالْإِهْلَاكِ حِسًّا وَقَدْ ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِالْمُسْلِمَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وَلَفْظُ النِّسَاءِ عَامٌّ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْإِمَاءُ وَالْحَرَائِرُ وَمَا تَلَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلنَّفْيِ وَلَا لِلْإِثْبَاتِ عِنْدَ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا وُضِعَ لَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ غَايَةَ دَرَجَاتِ الْوَصْفِ إذَا كَانَ مُؤَثِّرًا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً وَلَا أَثَرَ لِلْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ وَلِأَنَّ الطَّوْلَ هُوَ الْقُدْرَةُ، وَالنِّكَاحُ الْوَطْءُ حَقِيقَةً فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَطَأَ الْحُرَّةَ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ فَلْيَتَزَوَّجْ أَمَةً فَلَا يَبْقَى حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ

وَاشْتِرَاطُ عَدَمِ الطَّوْلِ يُفِيدُ الْكَرَاهِيَةَ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَكَذَا اشْتِرَاطُ خَشْيَةِ الْعَنَتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ عِنْدَ عَدَمِ الْخَيْرِ وَلَا يَنْفِي جَوَازَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْمُحْصَنَاتِ أَيْضًا بِالْإِيمَانِ فَقَضِيَّتُهُ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ تَجُوزَ الْأَمَةُ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ وَهُمْ مَنَعُوهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَفِيهِ تَرْكُ أَصْلِهِ وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ جَوَّزُوهُ، وَفِيهِ إرْقَاقُ الْوَلَدِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ فَقَدْ نَاقَضُوا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ لَوْ كَانَتْ إرْقَاقَ الْوَلَدِ لَمَا جَازَ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَمَا لَا يَجُوزُ إرْقَاقُ وَلَدِهِ الْحُرِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُطْلَقًا بِالْأَمَةِ الْآيِسَةِ وَالرَّتْقَاءِ وَلَكَانَ جَائِزًا لِلْمَجْبُوبِ، وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا بِإِدْخَالِ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَنْكِحُ الْأَمَةَ عِنْدَهُمْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، وَكَذَا الْعَبْدُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْحُرِّ فَجَعَلُوا مِلْكَهُ أَزْيَدَ عَلَى مِلْكِ الْحُرِّ وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ عِنْدَهُمْ لِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يُجِيزُوا لَهُ إلَّا أَمَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ كَالْحُرِّ وَهَذَا تَنَاقُضٌ عَظِيمٌ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لَمْ يَكُنْ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ تَزَوُّجِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ مَعْنًى وَقَوْلُهُ تَعْرِيضُ الْجُزْءِ الْحُرِّ عَلَى الرِّقِّ قُلْنَا لَيْسَ فِيهِ إرْقَاقُ الْجُزْءِ؛ لِأَنَّ الْإِرْقَاقَ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْحُرِّيَّةِ، وَالنُّطْفَةُ لَا تُوصَفُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَلَا بِالرِّقِّ فَبَطَلَ مَا ذُكِرَ، وَلَهُ أَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الشَّخْصِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فَإِنْ قِيلَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَنْكِحْ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحْ وَلَا يَخْطُبْ» قِيلَ لَهُ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَطَأَ الْمُحْرِمُ وَلَا تُمَكِّنُ الْمُحْرِمَةُ مِنْ نَفْسِهَا لِتُوطَأَ بِظَاهِرِ خَبَرِنَا وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَلَا يَخْطُبْ وَلَا يَلْتَمِسْ الْوَطْءَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَجَازَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْبِنَاءِ) وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْحُكْمِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالْغَلَطِ وَالرَّدِّ إذْ الْمَجَازُ أَوْلَى مِنْ الْغَلَطِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ) أَيْ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ الْأَصَمِّ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَيْدُ الْحُرِّ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُجِيزُ لِلْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ فَكَانَ الصَّوَابُ إبْدَالَهُ بِالْمُسْلِمِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ كَقَوْلِهِ وَعَنْهُمَا كَقَوْلِنَا اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُ نِكَاحِ الْأَمَةِ مُطْلَقًا وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ مَفْهُومُ الشَّرْطِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَوْ حُجَّةٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالطَّوْلُ صَدَاقُ الْحُرَّةِ وَلَا تُرَاعَى الْقُدْرَةُ عَلَى النَّفَقَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] أَيْ وقَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] اهـ (قَوْلُهُ: وَلَا أَثَرَ لِلْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ) أَيْ لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ لَا يَكُونُ عِلَّةً لِعَدَمِ الْحُكْمِ، وَالْأَمْرُ الْعَدَمِيُّ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِحُكْمٍ عَدَمِيٍّ وَلَا وُجُودِيٍّ. اهـ. غَايَةٌ لَا يُقَالُ الْوَصْفُ بِالْإِيمَانِ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] إذْ لَا يَجُوزُ تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إجْمَاعًا لِتَقْيِيدِهَا بِالْإِيمَانِ فِيهَا فَإِنَّا نَقُولُ: تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مُقَيَّدَةً بِالْإِيمَانِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ شُرِعَ مُقَيَّدًا وَمُطْلَقًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الطَّوْلَ هُوَ الْقُدْرَةُ) كَقَوْلِهِ ذِي الطَّوْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ) أَيْ بِالْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَا يَجُوزُ إرْقَاقُ وَلَدِهِ الْحُرِّ) أَيْ بِالْبَيْعِ عِنْدَ الْمَجَاعَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِإِدْخَالِ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ) أَيْ مَعَ بَقَاءِ نِكَاحِ الْأَمَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْعَبْدُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَيْنِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ الْوَلَدِ عَلَى الرِّقِّ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذَلِكَ وَعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَكَوْنِ الْعَبْدِ أَبًا لَا إثْمَ لَهُ فِي ثُبُوتِ رِقِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ حُرَّةً كَانَ وَلَدُهُ حُرًّا. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (قَوْلُهُ فَبَطَلَ مَا ذَكَرَ) وَلَئِنْ قَالَ: فِيهِ امْتِنَاعٌ عَنْ تَحْصِيلِ الْوَلَدِ الْحُرِّ، قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا بِحَرَامٍ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَحْصُلَ أَصْلُ الْوَلَدِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015