فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَطُفْ أَصْلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ الصَّدْرِ أَوْ طَافَهُ جُنُبًا وَصَدَقَةٌ بِتَرْكِ أَقَلِّهِ) أَيْ يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِ أَكْثَرِ طَوَافِ الصَّدْرِ أَوْ طَافَهُ جُنُبًا وَتَجِبُ صَدَقَةٌ بِتَرْكِ أَقَلِّهِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ وَمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ وَاجِبٌ فَتَرْكُهُ يُوجِبُ الدَّمَ فَكَذَا تَرْكُ أَكْثَرِهِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَبِتَرْكِ أَقَلِّهِ يَجِبُ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَلَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ بِخِلَافِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَطَوَافِ الْعُمْرَةِ حَيْثُ يَجِبُ فِيهِمَا الدَّمُ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُمَا فَرْضٌ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَهُمَا لَا يَنْجَبِرَانِ بِالدَّمِ، وَطَوَافُ الصَّدْرِ يَنْجَبِرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَتَجِبُ الصَّدَقَةُ بِتَرْكِ أَقَلِّهِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا وَفَرْقًا بَيْنَ تَرْكِ الْكُلِّ وَالْأَقَلِّ وَقَدْ ذَكَرْنَا طَوَافَهُ جُنُبًا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ مُحْدِثًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَدَمَانِ لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ لَوْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا وَطَوَافَ الصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ طَاهِرًا وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْتَقِلْ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَإِعَادَةُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يَنْتَقِلُ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَيْهِ فَيَجِبُ الدَّمُ بِسَبَبِ الْحَدَثِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَنْتَقِلُ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْإِعَادَةِ فَيَصِيرُ تَارِكًا لِطَوَافِ الصَّدْرِ مُؤَخِّرًا لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ فَيَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَبِتَأْخِيرِ الْآخَرِ عَلَى الْخِلَافِ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْبَدَنَةُ لِارْتِفَاضِ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ وَإِقَامَةِ طَوَافِ الصَّدْرِ مَقَامَهُ وَلَغَتْ عَزِيمَتُهُ أَنَّهُ لِلصَّدْرِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَفْعَالُ الْحَجِّ مُرَتَّبًا عَلَى مَا شُرِعَ، فَإِذَا نَوَى خِلَافَ ذَلِكَ تَلْغُو نِيَّتُهُ كَمَنْ عَلَيْهِ السَّجْدَةُ الصُّلْبِيَّةُ إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ تُصْرَفُ إلَى الصُّلْبِيَّةِ وَكَالْقَارِنِ إذَا طَافَ عِنْدَ قُدُومِهِ مَكَّةَ وَسَعَى، وَهُوَ يَنْوِي طَوَافَ الْقُدُومِ يَكُونُ لِلْعُمْرَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْآخَرَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ يَصِيرُ قَارِنًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَكَذَا الْحَاجُّ لَوْ طَافَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ تَطَوُّعًا ثُمَّ انْصَرَفَ يَكُونُ لِلصَّدْرِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَطَافَ لِلصَّدْرِ يَكُونُ لِلزِّيَارَةِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ بَعْضَهُ يَكْمُلُ مِنْهُ ثُمَّ إنْ بَقِيَ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ بَعْدَ التَّكْمِيلِ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ يَجِبُ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَ أَقَلِّهِ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ يَجِبُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْأَكْثَرَ وَلَهُ حُكْمُ الْكُلِّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى مُحْدِثًا وَلَمْ يُعِدْ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى لَهَا مُحْدِثًا، وَلَمْ يُعِدْهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ لِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِي طَوَافِ الْفَرْضِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ لِوُقُوعِ التَّحَلُّلِ بِأَدَاءِ الرُّكْنِ، وَالنُّقْصَانُ أَيْضًا يَسِيرٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي السَّعْيِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَتَى عَلَى إثْرِ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَهُوَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ وَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُعِيدُ الطَّوَافَ لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) ظَرْفٌ لِطَوَافِ الصَّدْرِ فَقَطْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ فَتَنَبَّهْ اهـ (قَوْلُهُ: وَقَالَا: عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ مُحْدِثًا يَقَعُ مُجْزِيًا لَكِنْ مَعَ النُّقْصَانِ فَلَمَّا وَقَعَ الطَّوَافُ مَعَ الْحَدَثِ مُعْتَدًّا بِهِ لَمْ يَجِبْ نَقْلُ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَجَبَ دَمٌ وَيُجْزِيهِ شَاةٌ لِنُقْصَانِ الْحَدَثِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمَانِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ مَعَ الْجَنَابَةِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ؛ وَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وُجُوبًا اسْتِحْبَابًا فَلَمَّا كَانَ فِي حُكْمِ الْعَدُوِّ وَجَبَ نَقْلُ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَزِيمَةَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ حَصَلَتْ لِلْأَفْعَالِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي شُرِعَتْ فَبَطَلَتْ نِيَّتُهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ التَّرْتِيبِ فَانْتَقَلَ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدْرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ، وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَنْتَقِلُ) وَفَائِدَةُ نَقْلِ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ سُقُوطُ الْبَدَنَةِ عَنْهُ انْتَهَى أك (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ تَارِكًا لِطَوَافِ الصَّدْرِ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ نَقْلُ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الصَّدْرِ أَصْلًا اهـ (قَوْلُهُ: وَبِتَأْخِيرِ الْآخَرِ عَلَى الْخِلَافِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ طَوَافِ الصَّدْرِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَلَا يُؤْمَرُ بَعْدَ الرُّجُوعِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ إذَا أَعَادَ طَوَافَ الصَّدْرِ يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَإِنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا، وَلَمْ يَطُفْ طَوَافَ الصَّدْرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ وَيُجْزِيهِ شَاةٌ وَدَمٌ آخَرُ وَهُوَ جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ جُنُبًا بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ جُنُبًا وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ حَيْثُ يُجْزِيهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ فَكَانَ النُّقْصَانُ فِيهَا دُونَ النُّقْصَانِ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَخِفُّ لِمَعْنًى فِي الْمَحَلِّ كَمَا تَخِفُّ لِمَعْنًى فِي الْجَانِي اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يَعْنِي طَوَافَ الزِّيَارَةِ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى مُحْدِثًا) أَيْ حَلَّ فَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُعِيدُهُمَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَعْنِي طَافَ لِعُمْرَتِهِ مُحْدِثًا وَسَعَى كَذَلِكَ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ بِوُجُوبِ الشَّاةِ فِيمَا إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ مُحْدِثًا وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُكْمَ فِيمَا إذَا طَافَ جُنُبًا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِالشَّاةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ أَغْلَظُ مِنْ حُكْمِ الْحَدَثِ، فَوَجَبَ أَنْ تَظْهَرَ حُكْمُ التَّغْلِيظِ فِي إيجَابِ الزِّيَادَةِ كَمَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِالشَّاةِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَوْقَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَإِيجَابُ أَغْلَظِ الدِّمَاءِ، وَهُوَ الْبَدَنَةُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ كَانَ لِمَعْنَيَيْنِ وِكَادَةُ الطَّوَافِ وَغِلَظُ أَمْرِ الْجَنَابَةِ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ دُونَ الثَّانِي تَعَذَّرَ إيجَابُ أَغْلَظِ الدِّمَاءِ فَاقْتَصَرْنَا عَلَى الشَّاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ