بِذَلِكَ، وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ ظَاهِرًا، وَلَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهُ، وَإِنَّمَا التَّلَفُ مُضَافٌ إلَى عَجْزِ الْمَالِكِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَا نَقَصَ بِسُكْنَاهُ وَزِرَاعَتِهِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ كَمَا فِي النَّقْلِيِّ)، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِفِعْلِهِ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِضَمَانِ الْإِتْلَافِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ يُضْمَنُ بِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْغَصْبِ حَيْثُ لَا يُضْمَنُ إلَّا بِالْحُصُولِ فِي الْيَدِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ رَكِبَ دَابَّةَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَمْ يُسَيِّرْهَا حَتَّى نَزَلَ ثُمَّ هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ لِعَدَمِ النَّقْلِ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِرُكُوبِهِ يَضْمَنُ لِوُجُودِ الْإِتْلَافِ بِفِعْلِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَعَدَ عَلَى بِسَاطِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ النُّقْصَانِ، قَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى: إنَّهُ يُنْظَرُ بِكَمْ تُسْتَأْجَرُ هَذِهِ الْأَرْضُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالُ وَبَعْدَهُ فَيَضْمَنُ مَا تَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا مِنْ النُّقْصَانِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِالشِّرَاءِ يَعْنِي أَنَّهُ يُنْظَرُ بِكَمْ تُبَاعُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ وَبِكَمْ تُبَاعُ بَعْدَهُ فَنُقْصَانُهَا مَا تَفَاوَتَ مِنْ ذَلِكَ فَيَضْمَنُهُ، وَهُوَ الْأَقْيَسُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِقِيمَةِ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ نُصَيْرٍ ثُمَّ يَأْخُذُ الْغَاصِبُ رَأْسَ مَالِهِ، وَهُوَ الْبَذْرُ، وَمَا غَرِمَ مِنْ النُّقْصَانِ، وَمَا أَنْفَقَ عَلَى الزَّرْعِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَتَّى إذَا غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا كُرَّيْنِ فَأَخْرَجَتْ ثَمَانِيَةَ أَكْرَارٍ، وَلَحِقَهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ قَدْرُ كُرٍّ وَنَقَصَهَا قَدْرَ كُرٍّ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَكْرَارٍ وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ وَمِلْكِهِ؛ لِأَنَّ مَا ضَمِنَ مِنْ الْفَائِتِ يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَالْمَضْمُونَاتُ تُمْلَكُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ عِنْدَنَا مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ، وَهُوَ الْغَصْبُ هُنَا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ إذْ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْقُصْهَا لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ لِعَدَمِ الضَّمَانِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ كُلِّهِ فَإِذَا ضَمِنَ كُلَّهُ مَلَكَ كُلَّهُ، وَكَذَا الْبَعْضُ، وَلَهُمَا أَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَيَكُونُ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ إذْ الْفَرْعُ يَحْصُلُ عَلَى وَصْفِ الْأَصْلِ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَنْقُصْ بِالِاسْتِعْمَالِ؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُسْتَنِدَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَكَانَ نَاقِصًا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ انْعِدَامِ الْخُبْثِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ اسْتَغَلَّهُ تَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ) أَيْ إنْ اسْتَغَلَّ الْمَغْصُوبَ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا مَثَلًا فَآجَرَهُ فَنَقَصَهُ بِالِاسْتِغْلَالِ وَضَمِنَ النُّقْصَانَ تَصَدَّقَ الْغَاصِبُ بِالْغَلَّةِ كَمَا يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ فِيمَا إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ بِأَنْ بَاعَهُ وَرَبِحَ فِيهِ أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ الِاسْتِغْلَالُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا زَادَ عَلَى مَا ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لَا بِالْغَلَّةِ كُلِّهَا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ثُمَّ إنَّمَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ النُّقْصَانَ إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فِي الْعَيْنِ، وَكَانَ غَيْرَ رِبَوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ فِي ضَمَانِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَةِ مَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مِنْ أَجْزَائِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا بِخِلَافِ الْمَبِيعِ حَيْثُ لَا يُوجِبُ النُّقْصَانَ الْحَادِثَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا الْخِيَارَ، وَلَا يُوجِبُ حَطَّ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ وَتُضْمَنُ بِالْفِعْلِ
وَإِنْ كَانَ لِتَرَاجُعِ السِّعْرِ لَا يُضْمَنُ بَعْدَ أَنْ رَدَّهُ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ فِيهِ لَا لِنُقْصَانٍ فِي الْعَيْنِ بِفَوْتِ الْجُزْءِ، وَإِنْ كَانَ رِبَوِيًّا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا إذْ الْجَوْدَةُ لَا قِيمَةَ لَهَا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَيُضَمِّنَهُ مِثْلَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَاسْتِغْلَالُ الْعَبْدِ الْمُسْتَعَارِ بِالْإِيجَارِ كَاسْتِغْلَالِ الْمَغْصُوبِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالْوَجْهُ قَدْ بَيَّنَّاهُ، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَمَا اسْتَغَلَّهُ فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ كَانَ لِأَجْلِ الْمَالِكِ فَإِذَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ لَا يَظْهَرُ الْخُبْثُ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا لَوْ سَلَّمَ الْغَلَّةَ إلَيْهِ مَعَ الْعَبْدِ يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ فَيَزُولُ الْخُبْثُ بِالتَّسْلِيمِ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ عَنْ الْقِيمَةِ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ الْغَاصِبُ بَعْدَ مَا اسْتَغَلَّهُ، وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَضَمَّنَ الْمَالِكُ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ كَانَ لِحَقِّ الْمَالِكِ وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ بِمَالِكٍ فَلَا يَزُولُ الْخُبْثُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ فَلَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ فَتَرَجَّحَ هُوَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .