(هُوَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ) فِي مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ حَتَّى لَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَتْ بِغَيْرِ تَعَدٍّ لِعَدَمِ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ، وَلَا مَا صَارَ مَعَ الْمَغْصُوبِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَمَا إذَا غَصَبَ دَابَّةً فَتَبِعَتْهَا أُخْرَى أَوْ وَلَدُهَا لَا يَضْمَنُ التَّابِعَ لِعَدَمِ الصُّنْعِ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ حَبَسَ الْمَالِكَ عَنْ مَوَاشِيهِ حَتَّى ضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِعَدَمِ إثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ، وَكَذَا لَا يَضْمَنُ غَيْرَ الْمُتَقَوِّمِ كَالْخَمْرِ أَوْ غَيْرَ الْمُحْتَرَمِ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَا مَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالْعَقَارِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْغَصْبُ هُوَ تَفْوِيتُ يَدِ الْمَالِكِ لَا غَيْرُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ إثْبَاتُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ لَا غَيْرُ حَتَّى يَضْمَنَ الْعَقَارَ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُمَا لِوُجُودِ تَفْوِيتِ الْيَدِ فِيهِ وَإِثْبَاتُهَا، وَلَا يَضْمَنُ زَوَائِدَ الْغَصْبِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِعَدَمِ تَفْوِيتِ يَدِ الْمَالِكِ فِيهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُهَا لِوُجُودِ إثْبَاتِ الْيَدِ فِيهَا وَسَنُبَيِّنُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَالِاسْتِخْدَامُ وَالْحَمْلُ عَلَى الدَّابَّةِ غَصْبٌ لَا الْجُلُوسُ عَلَى الْبِسَاطِ)؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِخْدَامِ عَبْدِ الْغَيْرِ أَوْ الْحَمْلِ عَلَى دَابَّةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ أَثْبَتَ فِيهِ الْيَدَ الْمُتَصَرِّفَةَ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ يَدِهِ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهُ فَتَحَقَّقَ الْغَصْبُ فَيَضْمَنُ بِخِلَافِ الْجُلُوسِ عَلَى بِسَاطِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ وَلِهَذَا لَا يُرَجَّحُ بِهِ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فَلَمْ يَصِرْ فِي يَدِهِ، وَالْبَسْطُ فِعْلُ الْمَالِكِ فَتَبْقَى يَدُ الْمَالِكِ فِيهِ مَا بَقِيَ أَثَرُ فِعْلِهِ لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهَا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ، ثُمَّ حُكْمُ الْغَصْبِ الْمَأْثَمُ إنْ تَعَمَّدَهُ وَالْمَغْرَمُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَغْصُوبُ مَالًا مُتَقَوِّمًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَجِبُ رَدُّ عَيْنِهِ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا، وَإِنْ أَخَذَهُ فَلْيَرُدَّهُ عَلَيْهِ»؛ وَلِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْيَدَ، وَهِيَ مَقْصُودَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ بِهَا يَتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ ثَمَرَاتِ الْمِلْكِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ وَلِهَذَا شُرِعَتْ الْكِتَابَةُ وَالْإِذْنُ مَعَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ سِوَى الْيَدِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَسْخُ فِعْلِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ فَيَعُودُ إلَى مَا كَانَ، وَأَتَمُّ وُجُوهِهِ رَدُّ عَيْنِهِ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَلِهَذَا تَتَفَاوَتُ الْقِيمَةُ بِهِ وَرَدُّ الْعَيْنِ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ عَلَى مَا قَالُوا؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ، وَأَكْمَلُ فِي رَدِّ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى وَرَدُّ الْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ مُخَلِّصٌ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ، وَلِهَذَا يُطَالَبُ بِرَدِّ الْعَيْنِ قَبْلَ الْهَلَاكِ، وَلَوْ أَتَى بِالْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِكَوْنِهِ قَاصِرًا، وَكَذَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمَالِكِ بِأَنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ بِجِهَةٍ أُخْرَى كَمَا إذَا، وَهَبَهُ لَهُ أَوْ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ فَأَكَلَهُ وَالْمَالِكُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مَلَكَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ تَسْلِيمٍ بِإِيدَاعٍ أَوْ شِرَاءٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ لَمَا بَرِئَ إلَّا إذَا عَلِمَ، وَقَبَضَهُ عَنْهُ كَمَا فِي قَبْضِ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ، وَقِيلَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الضَّمَانِ حَالَ قِيَامِ الْعَيْنِ يَصِحُّ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ، وَكَذَا الْكَفَالَةُ بِالْمَغْصُوبِ تَصِحُّ مَعَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِالْعَيْنِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلْغَاصِبِ نِصَابٌ يُنْتَقَصُ بِهِ كَمَا يُنْتَقَصُ بِالدَّيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ، وَكَوْنُهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى رَدِّ الْعَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِأَصْلٍ كَالظُّهْرِ مَعَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ الظُّهْرَ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْجُمُعَةَ خَلَفٌ عَنْهُ، وَلَا يُصَارُ إلَيْهِ لَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَتِهَا.

وَإِنَّمَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمَالِكِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ لِتَعَيُّنِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِي الْعَيْنِ فَصَارَ كَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْرَأُ بِرَدِّهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الْمَقْبُوضِ بَلْ حَقُّهُ فِي مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ مِنْ أَيِّ عَيْنٍ كَانَ، وَذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي مَعْرِفَةِ الْأَمْثَالِ وَالْقِيَمِ، وَلَا كَذَلِكَ الْعَيْنُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِيهَا فَبِأَيِّ طَرِيقٍ وَصَلَ إلَيْهِ نَابَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَلَغَا مَا عَيَّنَهُ مِنْ الْجِهَةِ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ لَمَّا كَانَ الْوَقْتُ مُتَعَيِّنًا لَهُ صَارَ عَنْهُ، وَلَغَا مَا عَيَّنَهُ مِنْ الْجِهَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ حَيْثُ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالتَّعْيِينِ لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِأَكْلِ الْمَالِكِ الطَّعَامَ الْمَغْصُوبَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِرَدٍّ بَلْ هُوَ خَدْعَةٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَرْغَبُ فِي أَكْلِ مَالِ غَيْرِهِ مَا لَا يَرْغَبُ فِي أَكْلِ مَالِ نَفْسِهِ، وَلَوْ عَلِمَ لِمَا أَكَلَ فَلَمْ يَكُنْ رَادًّا بِتَقْدِيمِهِ لَهُ لِلْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ قُلْنَا هَذِهِ الْعَادَةُ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا فَلَا تُعْتَبَرُ، وَلَا تَمْنَعُ وُقُوعَهُ عَنْ الْوَاجِبِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ هُوَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ)، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ يَكْفِي فِيهِ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ، وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ الْمَسَائِلُ غَيْرَ أَنَّ إزَالَةَ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ. اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ) لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ مَسْأَلَةً تُخَالِفُ هَذَا الْأَصْلَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ غَصَبَ عُجُولًا فَاسْتَهْلَكَهُ حَتَّى يَبِسَ لَبَنُ أُمِّهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْعُجُولِ وَنُقْصَانَ الْأُمِّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فِي الْأُمِّ شَيْئًا. اهـ. كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِالرَّحْمَةِ. قَوْلُهُ: وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ إلَخْ أَخَذَهُ مِنْ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ وَلَدُهَا) قَالَ الْكَاكِيُّ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ حِمَارًا وَسَاقَهُ فَانْسَاقَ جَحْشُهُ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ لَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ إنْ لَمْ يَسُقْ الْجَحْشَ مَعَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَالِ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَهُ الْمُسْلِمُ لَا يُسَمَّى غَصْبًا. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ إثْبَاتِ الْيَدِ فِيهَا)، وَلَوْ جَاءَ الْمَالِكُ وَطَلَبَ الزَّوَائِدَ فَمَنَعَهَا عَنْ التَّسْلِيمِ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ لَا الْجُلُوسُ عَلَى الْبِسَاطِ) قَالَ الْكَاكِيُّ، وَلَوْ جَلَسَ عَلَى بِسَاطِ غَيْرِهِ أَوْ فِرَاشِهِ أَوْ رَكِبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُزِلْهُ مِنْ مَكَانِهِ لَمْ يَكُنْ غَاصِبًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَغْرَمُ) أَيْ سَوَاءٌ تَعَمَّدَهُ أَوْ لَا. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْعُقُودُ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ) أَيْ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلْغَاصِبِ نِصَابٌ يُنْتَقَصُ بِهِ) أَيْ بِضَمَانِ الْمَغْصُوبِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ. اهـ. .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015