وَفِي عَقْلِهِ قُصُورٌ وَلِلْغَيْرِ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَأَلْحَقْنَاهُ بِالْبَالِغِ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ وَبِالْمَجْنُونِ فِي الضَّارِّ، وَفِي الْمُتَرَدِّدِ بِالْمَجْنُونِ قَبْلَ الْإِذْنِ وَبِالْبَالِغِ بَعْدَهُ، وَلَا يُقَالُ قَدْ يَقَعُ الْبَيْعُ أَيْضًا نَفْعًا مَحْضًا بِأَنْ بَاعَ شَيْئًا بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ فَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ بِغَيْرِ إجَازَةِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِأَصْلِ وَضْعِهِ دُونَ مَا يَعْرِضُ لَهُ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ.

وَالْبَيْعُ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ مُتَرَدِّدٌ بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا ضَرَرٌ مَحْضٌ، وَقَبُولُهَا نَفْعٌ مَحْضٌ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْوَلِيِّ فِيهِمَا، وَالْمَنْهِيُّ عَنْ الدَّفْعِ فِي الْآيَةِ أَمْوَالُنَا، وَكَلَامُنَا وَقَعَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَالْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ عِنْدَ الْبُلُوغِ، وَعِنْدَ إينَاسِ الرُّشْدِ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ لَا يَنْفِي الدَّفْعَ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالَةِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ سَفِيهٌ بَلْ هُوَ رَشِيدٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَنْ عُلِمَ رُشْدُهُ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ وَلِيٌّ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ، وَهُوَ أَبُوهُ ثُمَّ وَصِيُّ الْأَبِ ثُمَّ جَدُّهُ أَبُو أَبِيهِ ثُمَّ وَصِيُّ جَدِّهِ ثُمَّ الْوَالِي ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ وَصِيُّ الْقَاضِي.

وَأَمَّا مَا عَدَا الْأُصُولَ مِنْ الْعَصَبَةِ كَالْعَمِّ وَالْأَخِ أَوْ غَيْرِهِمْ كَالْأُمِّ وَوَصِيِّهَا وَصَاحِبِ الشُّرْطَةِ، وَلَا يَصِحُّ إذْنُهُمْ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتَصَرَّفُوا فِي مَالِهِ تِجَارَةً فَكَذَا لَا يَمْلِكُونَ الْإِذْنَ لَهُ فِيهَا وَالْأَوَّلُونَ يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ فَكَذَا يَمْلِكُونَ الْإِذْنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَكَذَا لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ تِجَارَةٌ مَعْنًى، وَلَيْسَ لِابْنِ الْمَعْتُوهِ أَنْ يَأْذَنَ لِأَبِيهِ الْمَعْتُوهِ، وَلَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْأَبُ مَجْنُونًا؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْقَرِيبِ لَا تَثْبُتُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُتَصَرِّفُ كَامِلَ الرَّأْيِ وَافِرَ الشَّفَقَةِ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ وُفُورُ الشَّفَقَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَإِنَّهُمَا وَافِرَا الشَّفَقَةِ كَامِلَا الرَّأْيِ فَيَمْلِكَانِهِ وَوَصِيُّهُمَا قَائِمٌ مَقَامَهُمَا فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِهِمَا فَيَمْلِكُ الْإِذْنَ لِلصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ الَّذِي بَلَغَ مَعْتُوهًا وَلِعَبْدِهِمَا كَمَا يَمْلِكَانِهِ، وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ عَتِهَ كَانَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ لَا يَصِحُّ الْإِذْنُ لَهُ قِيَاسًا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَصِحُّ اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَلَيْسَ لِلصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ الْمَأْذُونِ لَهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَا، وَلَا يُزَوِّجَا مَمَالِيكَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُمَا الْوَلِيُّ بِالتَّزَوُّجِ أَوْ بِتَزْوِيجِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَيَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إلَيْهِمَا، وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ فَلَا يَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ فَيَمْلِكُ الْعَبْدَ أَيْضًا إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ صَرِيحًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْإِذْنِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَعْتُوهَ الْمَأْذُونَ لَهُمَا كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِمَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ، وَلَا يَقْبَلُ إقْرَارَهُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ بِخِلَافِ الْمَوْلَى وَالْفَرْقُ أَنَّ إقْرَارَ الْوَلِيِّ عَلَيْهِمَا شَهَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَدَيْنُهُمَا غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَالِهِمَا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا حُرَّانِ فَكَانَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بَعْدَ الدَّيْنِ كَمَا كَانَ لَهُ قَبْلَهُ فَإِنْ قِيلَ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الْوَلِيُّ الْإِقْرَارَ عَلَيْهِمَا فَكَيْفَ يَمْلِكَانِهِ وَوِلَايَتُهُمَا مُسْتَفَادَةٌ مِنْهُ قُلْنَا لَمَّا انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُمَا صَارَ كَمَا إذَا انْفَكَّ بِالْبُلُوغِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِخِلَافِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَصَاحِبُ الشُّرْطَةِ لَا يَصِحُّ إلَخْ)، وَإِذْنُ أَمِيرِ الشُّرْطَةِ وَلَمْ يُوَلَّ الْقَضَاءَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُقِيمَ لِأَمْرٍ خَاصٍّ فَلَا يَلِي التَّصَرُّفَاتِ عَلَى النَّاسِ وَالشُّرْطَةُ خِيَارُ الْجُنْدِ، وَالْجَمْعُ شُرَطٌ وَصَاحِبُ الشُّرْطَةِ يُرَادُ بِهِ أَمِيرُ الْبَلْدَةِ، وَإِنَّمَا سُمُّوا الشُّرَطَ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْرَطُوا أَيْ أَعْلَمُوا؛ لِأَنْفُسِهِمْ عَلَامَةً يُعْرَفُونَ بِهَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ) فِي الْهِدَايَةِ، وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ وَلَا كِتَابَتَهُ قَالَ السَّيِّدُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْهَا مَعَ أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَمْلِكَانِهَا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ فَيَتَحَقَّقُ فِي الْكِتَابَةِ النَّظَرُ، وَأَمَّا تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْإِذْنِ مُقَيَّدٌ بِالتِّجَارَةِ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ بِتِجَارَةٍ. اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ، وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ قَالَ السَّيِّدُ فِيهِ إجْمَاعٌ، وَفِي تَزْوِيجِ أَمَتِهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ إنَّمَا قُيِّدَ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ مِنْ عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ مِنْ عَبْدِ نَفْسِهِ وَبِهِ صَرَّحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ. اهـ.

(فَرْعٌ) وَلَوْ أَذِنَ الْمَعْتُوهُ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي التِّجَارَةِ لِابْنِهِ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ مُوَلَّى عَلَيْهِ فَلَا يَلِي غَيْرَهُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَمَوْتُ الْأَبِ أَوْ وَصِيِّهِ حَجْرٌ عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَتِهِمَا وَرَأْيِهِمَا، وَقَدْ زَالَتْ وِلَايَتُهُمَا وَرَأْيُهُمَا بِمَوْتِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي أَذِنَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ عُزِلَ الْقَاضِي لَا يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ بَلْ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةِ الْخَلِيفَةِ أَوْ وُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَائِمٌ أَلَا تَرَى أَنَّ إذْنَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ مِنْهُ وَسَائِرُ أَحْكَامِهِ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، وَعَزْلُهُ فَكَذَلِكَ هَذَا، وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ إذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ جَدٌّ أَبُو الْأَبِ فَرَأَى الْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّبِيِّ أَوْ لِلْمَعْتُوهِ فِي التِّجَارَةِ فَأَذِنَ لَهُ، وَأَبَى أَبُوهُ فَإِذْنُهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَتْ وِلَايَةُ الْقَاضِي عَلَى الصَّغِيرِ مُؤَخَّرَةً عَنْ وِلَايَةِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ حَقُّ الصَّبِيِّ قَبْلَ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَهْتَدِي بِذَلِكَ إلَى التِّجَارَاتِ فَإِذَا طَلَبَ مِنْ الْأَبِ، وَأَبَى صَارَ الْأَبُ عَاضِلًا لَهُ فَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الْقَاضِي كَالْوَلِيِّ فِي بَابِ النِّكَاحِ إذَا عَضَلَ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ بِسَبَبِ الْعَضَلِ إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْإِنْكَاحَ مِنْ الْكُفْءِ حَقُّ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْوَلِيِّ فَإِذَا امْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ الْإِيفَاءِ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الْقَاضِي فَكَذَا هَذَا فَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَحَجْرُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ فَسْخُ الْإِذْنِ، وَالْإِذْنُ صَحَّ مِنْ الْقَاضِي فَلَا يَبْطُلُ بِحَجْرِ غَيْرِ الْقَاضِي، وَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ هَذَا الْقَاضِي بَعْدَمَا عُزِلَ لَا يَعْمَلُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ مِنْهُ الْحَجْرُ بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةُ الْحَجْرِ، وَإِنْ حَجَرَ الْقَاضِي الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ عَمِلَ حَجْرُهُ؛ لِأَنَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015