فِي الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ حَضَرُوا أَقَرَّ بِإِذْنِهِ بِيعَ، وَإِلَّا فَلَا) أَيْ لَوْ حَضَرَ الْمَوْلَى فَأَقَرَّ بِالْإِذْنِ بِيعَ بِالدَّيْنِ لِظُهُورِ الدَّيْنِ فِي حَقِّهِ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ قَالَ هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِتَمَسُّكِهِ بِالظَّاهِرِ فَلَا يُبَاعُ إلَّا إذَا أَثْبَتَ الْغُرَمَاءُ الْإِذْنَ مِنْهُ بِالْبَيِّنَةِ فَحِينَئِذٍ يُبَاعُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا إذْ هِيَ مُبَيِّنَةٌ كَاسْمِهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ أَذِنَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاء وَلِيُّهُ فَهُوَ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ) يَعْنِي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ دُونَ نَوْعٍ وَيَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ الْوَلِيِّ حِينَ مَا يَرَاهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْعَبْدِ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ يَعْقِلُ الْبَيْعَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ لَهُ، وَأَنْ يَقْصِدَ بِهِ الرِّبْحَ وَيَعْرِفَ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْفَاحِشِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي أَنَّ عِبَارَتَهُ صَالِحَةٌ لِلْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَنَا فِيمَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ أَوْ النَّفْعِ الْمَحْضِ، وَعِنْدَهُ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلْعُقُودِ حَتَّى لَوْ تَوَكَّلَ بِالتَّصَرُّفِ جَازَ، وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] وقَوْله تَعَالَى {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] شَرَطَ الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ لِلدَّفْعِ إلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَنَهَى عَنْ الدَّفْعِ إلَى السُّفَهَاءِ فِي الْأُولَى، وَهُمَا سَفِيهَانِ، وَلَيْسَا بِبَالِغَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُمَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِمَا لِأَجْلِ أَنْفُسِهِمَا شَرْعًا، وَعِلَّةُ الْحَجْرِ قَائِمَةٌ بِهِمَا فَلَا تَزُولُ بِالْإِذْنِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَوْلَى، وَقَدْ زَالَ بِالْإِذْنِ؛ وَلِأَنَّهُمَا مُوَلًّى عَلَيْهِمَا فِي هَذَا التَّصَرُّفِ حَتَّى يَمْلِكَهُ الْوَلِيُّ وَيَمْلِكُ حَجْرَهُمَا فَلَا يَصْلُحَانِ أَنْ يَكُونَا وَلِيَّيْنِ لِلتَّنَافِي؛ لِأَنَّ كَوْنَهُمَا مُولَيًا عَلَيْهِمَا سَبَبُهُ الْعَجْزُ، وَكَوْنُهُمَا وَلِيَّيْنِ سَبَبُهُ الْقُدْرَةُ، وَالْعَجْزُ وَالْقُدْرَةُ لَا يَجْتَمِعَانِ فَصَارَ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْوَصِيَّةِ.

وَاخْتِيَارُ الصَّبِيِّ أَحَدَ أَبَوَيْهِ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَتَوَلَّى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَلَا يَكُونُ مُولَيًا عَلَيْهِ فِيهَا فَلَا تَنَافِي فَتَصِحُّ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لِعَدَمِ إمْكَانِ تَحْصِيلِهِ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ فَقُلْنَا بِصِحَّتِهَا مِنْهُ كَيْ لَا تَفُوتَهُ هَذِهِ الْمَصَالِحُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] أُمِرْنَا بِالِابْتِلَاءِ، وَهُوَ الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ هَلْ هُوَ رَشِيدٌ أَمْ لَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الصَّغِيرَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ، وَأَنَّ تَصَرُّفَهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ حَقِيقَةً اسْمٌ لِلصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُتْمَ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ وقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2]، وَهَذَا أَمْرٌ بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمْ إلَيْهِمْ فَلَوْلَا أَنَّ تَصَرُّفَهُ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا لَمَا أَمَرَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِمْ تَمْكِينٌ لَهُمْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ التَّصَرُّفَ الْمَشْرُوعَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِنَفَاذِهِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَلَا خَفَاءَ فِي شَرْعِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَالْمَحَلِّيَّةِ.

وَكَذَا فِي الْأَهْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ لِلتَّصَرُّفِ بِالتَّكَلُّمِ عَنْ تَمْيِيزٍ وَبَيَانٍ لَا عَنْ تَلْقِينٍ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ، وَالْكَلَامُ فِي مِثْلِهِ فَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ هِدَايَتِهِ إلَى التَّصَرُّفِ لَا لِذَاتِهِ وَبِإِذْنِ الْوَلِيِّ يُسْتَدَلُّ عَلَى ثُبُوتِ هِدَايَتِهِ إلَى التَّصَرُّفِ إذْ لَا يَأْذَنُ لَهُ ظَاهِرًا إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ هِدَايَتِهِ وَبَقَاءُ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ لِأَجْلِ النَّظَرِ لَهُ لِتَتَّسِعَ لَهُ طُرُقُ التَّحْصِيلِ فَيَحْصُلُ بِطَرِيقَيْنِ بِمُبَاشَرَتِهِ، وَمُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ وَيُمَكَّنُ الْوَلِيُّ مِنْ حَجْرِهِ لِاحْتِمَالِ تَبَدُّلِ حَالِهِ، وَمَتَى جَعَلْنَاهُ وَلِيًّا بِاعْتِبَارِ الْأَهْلِيَّةِ لَمْ نَجْعَلْهُ مُولَيًا عَلَيْهِ، وَمَتَى جَعَلْنَاهُ مُولَيًا عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ قُصُورِ الْوِلَايَةِ لَمْ تَجْعَلْهُ وَلِيًّا فِيهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْمَصَالِحَ وَيَبْعُدُ مِنْ الْمَضَارِّ، وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلنَّظَرِ، وَمَصُونٌ عَنْ الضَّرَرِ، وَفِي اعْتِبَارِ كَلَامِهِ ذَلِكَ، وَفِي عَدَمِ اعْتِبَارِهِ إهْدَارُ آدَمِيَّتِهِ، وَإِلْحَاقُهُ بِالْبَهَائِمِ، وَهُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ فَلَمْ يُؤَهَّلْ لَهُ، وَلَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَالنَّافِعُ الْمَحْضُ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يُؤَهَّلُ لَهُ قَبْلَ الْإِذْنِ وَيَمْلِكُهُ وَالْمُتَرَدِّدُ بَيْنَهُمَا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا يُؤَهَّلُ لَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ وَيَمْلِكُهُ، وَلَا يَمْلِكُهُ قَبْلَهُ لِلِاحْتِمَالِ مَعَ أَنَّهُ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ لِمَا ذَكَرْنَا حَتَّى لَوْ بَاشَرَهُ قَبْلَ الْإِذْنِ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ حَتَّى إذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً أَجَازَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْبَالِغَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَاقِلٌ مُمَيِّزٌ وَيُشْبِهُ الْمَجْنُونَ وَالطِّفْلَ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الْخِطَابُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَذِنَ لِلصَّبِيِّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ إذْنِ الْعَبْدِ شَرَعَ مِنْ بَيَانِ إذْنِ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ وَالْمَعْتُوهِ، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ بِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ؛ وَلِأَنَّ إذْنَ الْعَبْدِ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ إذْنِ الصَّبِيِّ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْخِلَافِ فَقَدَّمَ الْمُجْمَعَ لِكَوْنِهِ أَصْلًا. اهـ.

(قَوْلُهُ: دُونَ نَوْعٍ) فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ يَكُونُ مَأْذُونًا فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ الْوَلِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ لَا فِي الْقَاضِي أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّ الْقَاضِي إذَا رَأَى الصَّغِيرَ أَوْ الْمَعْتُوهَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ مَأْذُونِ خُوَاهَرْ زَادَهْ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَيَعْرِفُ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْفَاحِشِ)، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَ الْعِبَارَةِ فَإِنَّهُ مَا مِنْ صَبِيٍّ لُقِّنَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ إلَّا وَيَتَلَقَّنُهُمَا كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذْنُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ بَاطِلٌ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذْنُ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ وَكِتَابَتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يُقَرِّبُ الْمَصَالِحَ وَيَبْعُدُ) وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْمَصَالِحَ وَيَبْعُدُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَقَبُولِ الْهِبَةِ) أَيْ وَالْإِسْلَامِ. اهـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015