أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدِهِ مَصْلَحَةٌ فَيُجِيزُهُ الْوَلِيُّ أَوْ الْمَوْلَى إنْ رَأَى فِيهِ ذَلِكَ كَعَقْدِ الْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ الْفُضُولِيُّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا فِي الْبَيْعِ مُسْتَقِيمٌ، وَأَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَلَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي قُلْنَا إنَّمَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ نَفَاذًا كَشِرَاءِ الْفُضُولِيِّ وَهُنَا لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ أَوْ لِتَضَرُّرِ الْمَوْلَى فَيُوقَفُ الْكُلُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَتْلَفُوا شَيْئًا ضَمِنُوا) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُمْ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِمْ فِي حَقِّ الْأَفْعَالِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْقَتْلُ غَيْرَ الْقَتْلِ وَالْقَطْعُ غَيْرَ الْقَطْعِ فَاعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَوُجُودِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الذِّمَّةُ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ يُولَدُ وَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِوُجُوبِ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَلَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالْأَدَاءِ إلَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ كَالْمُعْسِرِ لَا يُطَالَبُ بِالدَّيْنِ إلَّا إذَا أَيْسَرَ وَكَالنَّائِمِ لَا يُؤْمَرُ بِالْأَدَاءِ إلَّا إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَنْفُذُ إقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ)؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَقْوَالِ بِالشَّرْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَقَبِلَ الشَّارِعُ شَهَادَةَ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَأَمْكَنَ رَدُّهُ فَيُرَدُّ نَظَرًا لَهُمَا بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ فَلَا مَرَدَّ لَهُ حَتَّى لَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَالْحَدِّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِعْلُهُ أَيْضًا إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْفُذُ إقْرَارُ الْعَبْدِ فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ مَوْلَاهُ فَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَزِمَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ)؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَوْلَى لِمَا أَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى وَإِقْرَارُ الْمَرْءِ عَلَى غَيْرِهِ لَا يُقْبَلُ، فَإِذَا عَتَقَ زَالَ الْمَانِعُ فَيُتَّبَعُ بِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ عَنْ أَهْلِيَّةٍ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَقَرَّ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ)؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ خَوَاصِّ الْإِنْسَانِيَّةِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى بِهِمَا عَلَيْهِ، فَإِذَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا هُوَ حَقُّهُ وَبُطْلَانُ حَقِّ الْمَوْلَى ضَمِنَ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَالْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ» يَقْتَضِي أَنْ لَا يَمْلِكَ الْإِقْرَارَ بِالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ قُلْنَا لَمَّا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا يَكُونُ إقْرَارَ الْحُرِّ لَا إقْرَارَ الْعَبْدِ وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: 14] يَقْتَضِي أَنْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فَيَنْفُذُ وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ خُصَّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْإِقْرَارُ بِالْمَالِ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّصُّ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُولٌ أَيْضًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ النَّصَّ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى الْحُرِّ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَيْنَا قُلْنَا يُحْمَلُ الْمَرْوِيُّ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِسَفَهٍ) أَيْ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ سَفَهٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ بِسَبَبِ السَّفَهِ وَالدَّيْنِ وَالْغَفْلَةِ وَالْفِسْقِ وَإِنْ كَانَ مُبَذِّرًا مُفْسِدًا يُتْلِفُ مَالَهُ فِيمَا لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ وَلَا مَصْلَحَةَ وَعِنْدَهُمَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ السَّفَهِ وَالدَّيْنِ فِي تَصَرُّفَاتٍ لَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِهَا كَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِالْكُلِّ وَالسَّفَهِ هُوَ الْعَمَلُ بِخِلَافِ مُوجِبِ الشَّرْعِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى وَتَرْكُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحِجَا وَالسَّفِيهُ مِنْ عَادَتِهِ التَّبْذِيرُ وَالْإِسْرَافُ فِي النَّفَقَةِ وَأَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفًا لَا لِغَرَضٍ أَوْ لِغَرَضٍ لَا يَعُدُّهُ الْعُقَلَاءُ مِنْ أَهْلِ الدِّيَانَةِ غَرَضًا مِثْلُ دَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمُغَنِّي وَاللَّعَّابِ وَشِرَاءِ الْحَمَامِ الطَّيَّارَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ وَالْغَبَنِ الْفَاحِشِ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ غَيْرِ مَحْمَدَةٍ وَأَصْلُ الْمُسَامَحَاتِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَالْبِرُّ وَالْإِحْسَانُ مَشْرُوعٌ وَالْإِسْرَافُ حَرَامٌ كَالْإِسْرَافِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5].

فَهَذَا نَصٌّ عَلَى إثْبَاتِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهُ وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] وَهَذَا نَصٌّ عَلَى إثْبَاتِ الْوِلَايَةِ عَلَى السَّفِيهِ وَأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ كَانَ يُفْنِي مَالَهُ فِي الْجِهَادِ وَالضِّيَافَاتِ حَتَّى اشْتَرَى دَارًا لِلضِّيَافَةِ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَآتِيَن عُثْمَانَ وَلَأَسْأَلَنَّهُ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فَاهْتَمَّ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ وَجَاءَ إلَى الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ أَشْرِكْنِي فِيهَا فَأَشْرَكَهُ ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ إلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ إذَا تَصَرَّفَ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ أَوْ الْمَعْتُوهُ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ إذَا تَصَرَّفَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى حَتَّى يَرَى الْوَلِيُّ أَوْ الْمَوْلَى رَأْيَهُ فِيهِ إنْ رَأَى النَّفْعَ فِي النَّقْضِ نَقَضَ. اهـ. .

[إقْرَار الصَّبِيّ وَالْمَجْنُون فِي الْحَجَر]

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى إلَخْ) وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ إذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ يَلْزَمُ مِنْهُ إتْلَافُ مَالِ الْمَوْلَى فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَلَنَا أَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يُنَافِي مَالِكِيَّةَ غَيْرِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مَمْلُوكًا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ فِيهِ لَا بِاعْتِبَارِ الْآدَمِيَّةِ وَالْقِصَاصُ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ، وَكَذَا إيجَابُ الْحَدِّ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهِمَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ سَفْكَ دَمِهِ وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى بِدَمِهِ وَلِأَنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ بِدَيْنٍ إنَّمَا لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِلتُّهْمَةِ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ وَلَيْسَ بِمُتَّهَمٍ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَوْلُ زُفَرَ مَنْقُوضٌ بِإِقْرَارِهِ بِالرِّدَّةِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَيُقْتَلُ وَإِنْ لَزِمَ إتْلَافُ مَالِ الْمَوْلَى وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْقُدُورِيِّ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ لَزِمَهُ فِيمَا إذَا كَانَ كَبِيرًا أَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِقَوْلِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ الصَّحِيحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015