الْقِصَاصِ عِنْدَهُ وَلِهَذَا حُكِمَ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى شُهُودِ الْقِصَاصِ إذَا رَجَعُوا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ وَالْقَتْلُ بِالْإِكْرَاهِ مِنْ الْمُتَغَلِّبَةِ غَالِبٌ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ لَأَدَّى إلَى الْفَسَادِ فَيُوجِبُ عَلَى الْكُلِّ حَسْمًا لِمَادَّتِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بَقِيَ مَقْصُورًا عَلَى الْمُكْرَهِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى أَثِمَ إثْمَ الْقَتْلِ وَأُضِيفَ إلَى الْمُكْرِهِ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَمَلَ الْمُكْرَهَ عَلَيْهِ فَصَارَ مَدْفُوعًا إلَى الْقَتْلِ بِمُوجِبِ طَبْعِهِ وَلِأَنَّ الْمُكْرَهَ قَاتِلٌ حَقِيقَةً لَا حُكْمًا وَالْمُكْرِهُ بِالْعَكْسِ فَتَمَكَّنَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَلَهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَتْلِ بِطَبْعِهِ إيثَارًا لِحَيَاتِهِ فَيَصِيرُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ وَهُوَ الْإِتْلَافُ دُونَ الْإِثْمِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْآلَةَ هِيَ الَّتِي تَعْمَلُ بِطَبْعِهَا كَالسَّيْفِ فَإِنَّ طَبْعَهُ الْقَطْعُ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ فِي مَحَلِّهِ وَكَالنَّارِ فَإِنَّ طَبْعَهَا الْإِحْرَاقُ وَكَالْمَاءِ فَإِنَّ طَبْعَهُ الْإِغْرَاقُ وَبِاسْتِعْمَالِ الْآلَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُسْتَعْمِلِ فَكَذَا هُنَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ هُوَ الْمُسْتَعْمِلُ لَهُ وَالْمَأْمُورُ جَارٍ عَلَى مُوجِبِ طَبْعِهِ أَنَّ ضَمَانَ الْمَالِ الْمُتْلَفِ يَجِبُ عَلَى الْآمِرِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ بِالِاسْتِعْمَالِ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْإِتْلَافَ مَنْسُوبٌ إلَى الْآمِرِ وَأَنَّ الْمَأْمُورَ آلَةٌ لَهُ إذْ لَا وَجْهَ لِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ فَكَأَنَّ الْآمِرَ مُبَاشِرٌ لِلْإِتْلَافِ لَا مُتَسَبِّبٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَسَبِّبًا لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنَّمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ وَالْمُتَسَبِّبَ إذَا اجْتَمَعَا عَلَى الْإِتْلَافِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُبَاشِرِ دُونَ الْمُتَسَبِّبِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ آلَةً لَهُ فِي إتْلَافِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ بِأَنْ يَأْخُذَهُ وَيُلْقِيَهُ فِي مَالِ إنْسَانٍ فَكَذَا فِي النَّفْسِ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ بِخِلَافِ الْإِثْمِ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْإِثْمَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى دِينِهِ وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى دِينِ غَيْرِهِ فَبَقِيَ بِالْفِعْلِ مَقْصُورًا فِي حَقِّهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَى الْآمِرِ فِي الْإِتْلَافِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَأْمُورِ مِنْ حَيْثُ التَّلَفُّظُ وَلَا يُجْعَلُ آلَةً لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلِسَانِ غَيْرِهِ فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَأْمُورِ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ.

وَلَوْ نُقِلَ إلَى الْآمِرِ لَمَا عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ، وَكَذَا قُلْنَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الطَّلَاقِ حَتَّى يَكُونَ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ فِي حَقِّ التَّلَفُّظِ دُونَ الْإِتْلَافِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَ مُسْلِمٌ مَجُوسِيًّا عَلَى ذَبْحِ شَاةٍ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَى الْمُسْلِمِ الْآمِرِ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا يَنْتَقِلُ فِي حَقِّ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ فِي الذَّبْحِ فِي الدِّينِ وَبِالْعَكْسِ يَحِلُّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى عَتَاقٍ وَطَلَاقٍ فَفَعَلَ وَقَعَ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى عَتَاقٍ أَوْ طَلَاقٍ فَأَعْتَقَ أَوْ طَلَّقَ وَقَعَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَعَدَمُ صِحَّةِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْأَقَارِيرِ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى التَّصَرُّفِ وَهُوَ كَوْنُهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الرِّضَا وَمَعَ الْإِكْرَاهِ لَا يُوجَدُ الرِّضَا، وَأَمَّا الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرِّضَا فَيَقَعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَقَعَانِ مَعَ الْهَزْلِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الرِّضَا فِيهِمَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَإِخْوَانِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ وَنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ لَمْ يَطَأْهَا) يَعْنِي عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَالْمُكْرَهُ آلَةٌ لَهُ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ إذْ ضَمَانُ الْعُدْوَانِ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِلْخُرُوجِ إلَى الْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي مُعْتِقِ الْبَعْضِ أَوْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ كَعِتْقِ الرَّاهِنِ الْمَرْهُونَ وَهُوَ مُعْسِرٌ أَوْ عِتْقِ الْمَرِيضِ عَبْدَهُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ هُنَا وَلَا يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فِيهِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ كَالِارْتِدَادِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ وَقَدْ تَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ فَكَانَ تَقْرِيرًا لِلْمَالِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيُضَافُ تَقْرِيرُهُ إلَى الْمُكْرَهِ

وَالتَّقْرِيرُ كَالْإِيجَابِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْمُكْرِهِ الْآمِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ طَبْعَهُ الْإِغْرَاقُ) أَيْ فَفِي الْجَرْيِ عَلَى مُوجِبِ الطَّبْعِ مُشَابَهَةٌ بِالْآلَةِ وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْقَاتِلُ آلَتَهُ الَّتِي هِيَ السَّيْفُ فِي شَخْصٍ ظُلْمًا فَقَتَلَهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ فَكَذَا هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِالْعَكْسِ) أَيْ لَوْ أَكْرَهَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى الذَّبْحِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ إلَخْ) وَالْوَلَاءُ لِلْمُكْرَهِ دُونَ الْمُكْرِهِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ هَذَا الْكِتَابِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015