إفْسَادٌ، وَإِنَّمَا السَّلَامَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْ الْعَمَلِ لَا تُجَاوِزُ الْمُعْتَادَ وَبَعْدَ ذَلِكَ السِّرَايَةُ وَالِاقْتِصَارُ مَبْنِيَّانِ عَلَى قُوَّةِ الْمَحِلِّ فِي احْتِمَالِ الْأَلَمِ وَسَيَلَانِ الدَّمِ وَضَعْفِهِ عَنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ مَعْرِفَتُهُ وَالْخَارِجُ عَنْ الْوُسْعِ لَا يُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِحَالٍ، وَالتَّحَرُّزُ عَنْ التَّخَرُّقِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ فِي وُسْعِ الْقَصَّارِ يَعْرِفُ بِالنَّظَرِ فِي الثَّوْبِ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الدَّقِّ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ فِيهِ وَهُوَ سَاقِطُ الْعِبْرَةِ فِيمَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ بِالْتِزَامِهِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى دَفْعًا لِلْحَرَجِ حَتَّى إذَا اجْتَهَدُوا وَأَخْطَأَ يَكُونُ مَعْذُورًا وَبِخِلَافِ أَجِيرِ الْوَحَدِ لِمَا نُبَيِّنُهُ وَبِخِلَافِ تِلْمِيذِهِ لِأَنَّهُ أَجِيرُ الْوَحَدِ عِنْدَ أُسْتَاذِهِ وَأَجِيرُ الْوَحَدِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ وَيَجِبُ عَلَى الْأُسْتَاذِ مَا أَفْسَدَهُ التِّلْمِيذُ بِعَمَلِهِ لِأَنَّ الْأُسْتَاذَ أَجِيرُ الْمُشْتَرَكِ دُونَ التِّلْمِيذِ، ثُمَّ صَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَمْ يُعْطِهِ الْأَجْرَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مَعْمُولًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُضَمِّنُ بِهِ بَنِي آدَمَ) يَعْنِي مِمَّنْ غَرَقَ فِي السَّفِينَةِ أَوْ سَقَطَ مِنْ الدَّابَّةِ، وَإِنْ كَانَ بِسَوْقِهِ وَقَوْدِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْآدَمِيِّ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ، وَلِهَذَا لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ إلَّا إذَا كَانَ بِالْجِنَايَةِ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ كَبِيرًا مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ وَيَرْكَبُ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَتَاعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ انْكَسَرَ دَنٌّ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ الْحَمَّالُ قِيمَتَهُ فِي مَكَانِ حَمْلِهِ وَلَا أَجْرَ أَوْ فِي مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَأَجْرُهُ بِحِسَابِهِ) أَمَّا الضَّمَانُ فَلِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْعَقْدِ عَمَلٌ سَلِيمٌ وَالْمُفْسَدَ غَيْرُ دَاخِلٍ فَيَضْمَنُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا الْخِيَارُ فَلِأَنَّهُ إذَا انْكَسَرَ فِي الطَّرِيقِ وَالْحِمْلُ شَيْءٌ وَاحِدٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ تَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَمْلِ حَصَلَ بِأَمْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا، وَإِنَّمَا صَارَ تَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ فَإِنْ مَالَ إلَى كَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ مَالَ إلَى كَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ فِي الِابْتِدَاءِ إنَّمَا صَارَ مُتَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ فِي مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَأَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ بِحِسَابِهِ. هَذَا إذَا كَانَ الْكَسْرُ بِصُنْعِهِ بِأَنْ زَلَقَ أَوْ عَثَرَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ بِأَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ فَانْكَسَرَ فَلَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَبِخِلَافِ تِلْمِيذِهِ؛ لِأَنَّ أَجِيرَ الْوَحَدِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ، وَلَوْ تَخَرَّقَ بِدَقِّ أَجِيرِ الْقَصَّارِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْأُسْتَاذِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا دَقَّ أَجِيرُ الْقَصَّارِ ثَوْبًا فَخَرَقَهُ فَضَمَانُهُ عَلَى الْأُسْتَاذِ دُونَ الْأَجِيرِ لِأَنَّا نَقَلْنَا فِعْلَهُ إلَى الْأُسْتَاذِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَطِئَ الْأَجِيرُ عَلَى ثَوْبِ الْقَصَّارِ مِمَّا لَا يُوطَأُ عَلَيْهِ فَخَرَقَهُ كَانَ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْذُونٍ فِيهِ فَاقْتَصَرَ الْإِتْلَافُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوطَأُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي وَطْئِهِ، وَلَوْ وَطِئَ الْقَصَّارُ ثَوْبًا وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَتَخَرَّقَ كَانَ ضَامِنًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوطَأُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ فِي بَسْطِهِ وَوَطْئِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِغَيْرِ أَمْرٍ فَيَضْمَنُ. كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْأُسْتَاذَ أَجِيرُ الْمُشْتَرَكِ بِالْإِضَافَةِ فَتَأَمَّلْ
. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ) وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْفَرْقِ هَكَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الرَّضِيعِ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ انْكَسَرَ دَنٌّ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَسَرَهُ عَمْدًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَنَا. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقَيْدٌ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْكَسَرَ بَعْدَ مَا انْتَهَى إلَى الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ مِنْ جِنَايَةِ يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَهُ الْأَجْرُ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ صَاعِدٍ النَّيْسَابُورِيِّ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَضْمَنُهُ فِي مَوْضِعِ الْحَمْلِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ الضَّمَانِ ثُمَّ قُلْنَا لَمَّا انْكَسَرَ فِي الطَّرِيقِ وَالْحِمْلُ شَيْءٌ وَاحِدٌ حُكْمًا إذَا الْحِمْلُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَحْمُولًا إلَى مَوْضِعِ عَيْنِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ وَقَعَ تَعَدِّيًا ابْتِدَاءً وَفِي الْحَقِيقَةِ ابْتِدَاؤُهُ سَلِيمٌ، وَإِنَّمَا صَارَ تَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ، فَإِنْ مَالَ إلَى الْوَجْهِ الْحُكْمِيِّ فَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى مِنْ عَمَلِهِ أَصْلًا، وَإِنْ مَالَ إلَى الْوَجْهِ الْحَقِيقِيِّ فَلَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى، وَالْأَجْرُ وَالضَّمَانُ إنَّمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْحَالَةُ هَاهُنَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَهُ فِي مَكَانِ الْكَسْرِ فَقَدْ جَعَلَ الْمَتَاعَ أَمَانَةً عِنْدَهُ مِنْ حَيْثُ حُمِلَ إلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَالْأَجْرُ يَجِبُ فِي حَالَةِ الْأَمَانَةِ، وَإِنَّمَا صَارَ مَضْمُونًا فِي حَالَةِ الْكَسْرِ وَهَذِهِ حَالَةٌ أُخْرَى. اهـ. كَاكِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْخِيَارُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا التَّخْيِيرُ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ جِهَتَا الضَّمَانِ الْقَبْضُ وَالْإِتْلَافُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِالْقَبْضِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِالْإِتْلَافِ يَوْمَ الْإِتْلَافِ أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الضَّمَانُ يَجِبُ بِالْإِتْلَافِ لَا بِالْقَبْضِ فَكَانَ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِتْلَافُ فَيَجِبُ أَنْ يَعْتَبِرَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ وَلَا خِيَارَ لَهُ عَلَى مَا يُرْوَى عَنْهُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبَانِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ أَحَدُهُمَا الْإِتْلَافُ وَالثَّانِي الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ الْتَزَمَ الْوَفَاءَ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِالْعَمَلِ الْمُصْلِحِ، وَقَدْ خَالَفَ وَالْخِلَافُ مِنْ أَسْبَابِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْإِتْلَافِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ فِي الْقَدْرِ الْفَائِتِ فَقَدْ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ الصَّفْقَةُ فِي الْمَنَافِعِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَفَرُّقِهَا، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّخْيِيرِ. اهـ. (وَقَوْلُهُ وَأَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ بِحِسَابِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ عَمَلِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ عَمَلِهِ بِأَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ اهـ وَانْظُرْ فِي الصَّفْحَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ الْوَرَقَةِ عِنْدَ الْقَوْلَةِ