يَنْفَسِخْ وَقِيلَ يَنْفَسِخُ بِهِ إذَا خَرَجَ الشَّهْرُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَوْقِيفُهُ إلَى وَقْتٍ يَمْلِكُ فِيهِ الْفَسْخَ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ مُحَمَّدٌ أَبُو نَصِيرِ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ، وَلَوْ قَالَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَسَخْت رَأْسَ الشَّهْرِ يَنْفَسِخُ إذَا أَهَلَّ الشَّهْرُ بِلَا شُبْهَةٍ فَيَكُونُ فَسْخًا مُضَافًا إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ يَصِحُّ مُضَافًا فَكَذَا فَسْخُهُ، وَلَوْ قَدَّمَ أُجْرَةَ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ فَلَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ فِي قَدْرِ الْمُعَجَّلِ أُجْرَتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّقْدِيمِ زَالَتْ الْجَهَالَةُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ فَيَكُونُ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا سَنَةً صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ أُجْرَةَ كُلِّ شَهْرٍ) يَعْنِي بَعْدَ مَا سَمَّى الْأُجْرَةَ جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً بِبَيَانِ الْمُدَّةِ وَالْأُجْرَةُ مَعْلُومَةٌ فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَ قِسْطَ كُلِّ شَهْرٍ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ شَهْرًا وَلَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةَ كُلِّ يَوْمٍ فَإِذَا صَحَّ وَجَبَ أَنْ تُقَسَّمَ الْأُجْرَةُ عَلَى الْأَشْهُرِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَفَاوُتُ الْأَسْعَارِ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ وَقْتُ الْعَقْدِ) يَعْنِي ابْتِدَاءَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي حُكْمِ الْإِجَارَةِ وَفِي مِثْلِهِ يَتَعَيَّنُ الزَّمَانُ الَّذِي يَلِي الْعَقْدَ كَالْأَجَلِ وَالْيَمِينِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا شَهْرًا أَوْ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَقِيبَهُ لِمُدَّتِهَا لَصَارَ مُنْكَرًا مَجْهُولًا وَبِهِ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنْ يَقْصِدَ الصَّحِيحَ فَتَعَيَّنَ عَقِيبَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ حَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ ابْتِدَاؤُهُ عَقِيبَ الْيَمِينِ وَلَا عَقِيبَ النَّذْرِ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ فِي حَقِّهِ لَيْسَتْ بِسَوَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي اللَّيْلِ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِيهِ إلَّا بِالْعَزِيمَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَقِيبَ السَّبَبِ.
هَذَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ تَعَيَّنَ ذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَانَ حِينَ يُهَلُّ تُعْتَبَرُ الْأَهِلَّةُ وَإِلَّا فَالْأَيَّامُ) يَعْنِي إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ حِينَ يُهَلُّ الشَّهْرُ أَوْ كَانَ أَوَّلُهَا بِالتَّعْيِينِ كَذَلِكَ تُعْتَبَرُ شُهُورُ الْمُدَّةِ بِالْأَهِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ أَوَّلُهَا بَعْدَ مَا مَضَى شَيْءٌ مِنْ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْعَدَدِ وَهُوَ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ ابْتِدَاؤُهَا فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ وَيُكَمَّلُ مِنْ الْأَخِيرِ وَيُعْتَبَرُ الْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْأَهِلَّةَ هِيَ الْأَصْلُ فِي الشُّهُورِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 189] وَالْأَيَّامُ بَدَلٌ عَنْ الْأَهِلَّةِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ الْهِلَالُ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَلَا يُصَارُ إلَى الْبَدَلِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَصْلِ وَلَا تَعَذُّرَ إلَّا فِي الشَّهْرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الْأَخِيرِ فَيُكَمَّلُ، وَبَقِيَ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ وَلَهُ أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِالْهِلَالِ تَعَذَّرَ الْبَاقِي أَيْضًا بِالْأَهِلَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ يَجِبُ تَكْمِيلُهُ مِمَّا يَلِيهِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَجَمِيعُ الْأَشْهُرِ الَّتِي بَعْدَهُ قَبْلَ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُحَالٌ، فَإِذَا كَمُلَ مِنْ الثَّانِي انْتَقَصَ الْآخَرُ فَوَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الَّذِي يَلِيهِ، وَكَذَا كُلُّ شَهْرٍ إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ بِالْأَيَّامِ ضَرُورَةً وَنَظِيرُهُ الْعِدَّةُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الطَّلَاقِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَ الْحَمَّامَ فِي الْجُحْفَةِ» وَلِتَعَارُفِ النَّاسِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَرِهَ الْحَمَّامَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ قَالَ قَدِمْت عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَسَأَلَنِي عَنْ مَالِي فَأَخْبَرْته أَنَّ لِي غِلْمَانًا وَحَمَّامًا لَهُ غَلَّةٌ فَكَرِهَ لِي غَلَّةَ الْحَجَّامِينَ وَغَلَّةَ الْحَمَّامِ، وَقَالَ إنَّهُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَّ بَيْتٍ فَإِنَّهُ تُكْشَفُ فِيهِ الْعَوْرَاتُ وَتُصَبُّ فِيهِ الْغُسَالَاتُ وَالنَّجَاسَاتُ وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ حَمَّامِ الرِّجَالِ وَحَمَّامِ النِّسَاءِ فَقَالُوا يُكْرَهُ اتِّخَاذُ حَمَّامِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُنَّ مَمْنُوعَاتٌ عَنْ الْخُرُوجِ، وَقَدْ أُمِرْنَ بِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوتِ فَاجْتِمَاعُهُنَّ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ الْفِتَنِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ نِسَاءً دَخَلْنَ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ أَنْتُنَّ مِنْ اللَّاتِي يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ وَأَمَرَتْ بِإِخْرَاجِهِنَّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِبِنَاءِ الْحَمَّامَاتِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَحْتَجْنَ إلَيْهِ لِلِاغْتِسَالِ مِثْلَ الرِّجَالِ بَلْ حَاجَتُهُنَّ أَكْثَرُ لِكَثْرَةِ أَسْبَابِ الِاغْتِسَالِ فِي حَقِّهِنَّ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْجَنَابَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْبَارِدِ قَدْ يَضُرُّ، وَقَدْ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيعَابِ بِهِ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ مَقْصُودٌ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ وَكَرَاهَةُ عُثْمَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ) أَيْ كَمَا إذَا آجَرَ دَارِهِ فِي رَمَضَانَ رَجُلًا وَهُمَا فِي رَجَبٍ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ غُرَّةِ رَمَضَانَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ كَانَ حِينَ يُهَلُّ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ يُبْصَرُ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ بِقَوْلِهِ أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ الشَّهْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ بَلْ هُوَ أَوَّلُ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَجُوزُ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ وَعَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ جَمِيعًا قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ هَلَّ الْهِلَالُ وَأُهِلَّ وَدَفَعَ الْأَصْمَعِيُّ هَلَّ وَقَالَ لَا يُقَالُ إلَّا أُهِلَّ وَأَهْلَلْنَا نَحْنُ إذَا رَأَيْنَا الْهِلَالَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا) أَيْ فَالسَّنَةُ ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا اهـ وَلْيُعْلَمْ أَنِّي قَدْ كَتَبْت حَاشِيَةً نَافِعَةً مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْكَنْزِ فِي أَوَّلِ بَابِ الطَّلَاقِ وَفُرِّقَ عَلَى الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ فَلْتُرَاجَعْ فَإِنَّهَا مُهِمَّةٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ الْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ) أَيْ فَيَكُونُ عِنْدَهُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ، وَالشَّهْرُ الْوَاحِدُ بِالْأَيَّامِ. اهـ.
. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ) أَيْ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ يَدْفَعُونَ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ، وَإِنْ كَانَ مِقْدَارُ مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْمَاءِ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ وَلَا مِقْدَارُ الْقُعُودِ فَدَلَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ لِوُرُودِهِ عَلَى إتْلَافِ الْعَيْنِ مَعَ الْجَهَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.