أَوْلَى وَعَلَى هَذَا لَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا الْقَاضِيَ قَضَى لَهُ بِهَا بِالْبَيِّنَةِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ أَنَّهَا نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ كَانَ ذُو الْيَدِ أَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَهُمَا الْخَارِجُ أَوْلَى لِأَنَّ الْقَضَاءَ قَدْ صَحَّ ظَاهِرًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ ذِي الْيَدِ فَلَا يُنْقَضُ قَضَاؤُهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَلِأَنَّ الْخَارِجَ أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ بِبَيِّنَتِهِ وَأَثْبَتَ ذُو الْيَدِ التَّلَقِّيَ مِنْهُ فَكَانَ لَهُ بِحُكْمِ التَّلَقِّي مِنْهُ وَإِقْرَارُهُ بِأَنَّهُ لَهُ فِي ضِمْنِ دَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ دَعْوَاهُ وَقَبُولَ بَيِّنَتِهِ كَمَا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ صَرِيحًا ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فِي زَمَانٍ يُمْكِنُ الشِّرَاءُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ إذْ التَّوْفِيقُ مُمْكِنٌ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَرْهَنَ كُلٌّ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا تَارِيخَ سَقَطَا وَتُتْرَكُ الدَّارُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ) أَيْ لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ أَوْ الْخَارِجَيْنِ أَوْ ذَوِي الْأَيْدِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا تَارِيخَ لَهُمَا تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَيُتْرَكُ الْمُدَّعَى فِي يَدِ ذِي الْيَدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا يُقْضَى بِالْبَيِّنَتَيْنِ وَتَكُونُ لِلْخَارِجِ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِمَا بِجَعْلِ ذِي الْيَدِ مُشْتَرِيًا مِنْ الْخَارِجِ وَقَبَضَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلَالَةُ السَّبْقِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَا يُعْكَسُ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالشِّرَاءِ مِنْ صَاحِبِهِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لَهُ فَصَارَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى إقْرَارِ الْآخَرِ وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بِالْإِجْمَاعِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ فَكَذَا هَذَا وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْقَضَاءِ بِهِمَا الْقَضَاءُ لِذِي الْيَدِ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ وَهُوَ الْمِلْكُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِ السَّبَبِ إذْ السَّبَبُ لَمْ يُشَرَّعْ إلَّا لِحُكْمِهِ فَإِذَا لَمْ يُفِدْ حُكْمَهُ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا كَطَلَاقِ الصَّبِيِّ وَعَتَاقِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِأَنَّ سَبَبِيَّتَهُ بِالشَّرْعِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ لِذِي الْيَدِ إلَّا بِمِلْكٍ مُسْتَحَقٍّ فَيَلْزَمُ مِنْهُ الْقَضَاءُ لَهُ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ثُمَّ لَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَتَانِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ تَقَاصَّا إنْ كَانَ الثَّمَنَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَتَسَاوَيَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَا جِنْسًا رَدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا قَبَضَ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَا يَتَأَتَّى الْقِصَاصُ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ الْوُجُوبِ
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَأَتَّى لِوُجُوبِهِ عِنْدَهُ وَلَوْ شَهِدَ الْفَرِيقَانِ بِالْبَيْعِ وَقُبِضَ الْمَبِيعُ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ بِالِاتِّفَاقِ لِتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّ الْبَيْعَيْنِ وَإِنْ كَانَا جَائِزَيْنِ لِوُجُودِهِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِمَا ذِكْرُ التَّارِيخِ وَلَا دَلَالَتُهُ حَتَّى يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا سَابِقًا وَالْآخَرُ لَاحِقًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرَا قَبْضَ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ هُنَاكَ أَنْ يُجْعَلَ شِرَاءُ ذِي الْيَدِ مُتَقَدِّمًا لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يُقْضَى لَهُمَا عِنْدَهُ فَيُجْعَلُ الْقَبْضُ الْمُعَايَنُ آخِرَ الْقَبْضَيْنِ وَيُجْعَلُ ذُو الْيَدِ آخِرَ الْمُشْتَرِيَيْنِ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَى وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ ذِي الْيَدِ وَقَبَضَ فَيُقْضَى بِالدَّارِ لَهُ وَمِثْلُهُ فِي الْجَامِعِ وَشَرْحِ الْكَرْخِيِّ وَالْمَبْسُوطِ وَالْمُخْتَلَفِ وَإِنْ وُقِّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَقَارِ وَلَمْ تُثْبِتَا قَبْضًا فَإِنْ كَانَ وَقْتُ الْخَارِجِ أَسْبَقَ يُقْضَى بِهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ عِنْدَهُمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَى أَوَّلًا ثُمَّ بَاعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْضَى لِلْخَارِجِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى بِهَا لِذِي الْيَدِ عِنْدَهُ أَيْضًا فَيُجْعَلُ الْخَارِجُ كَأَنَّهُ قَبَضَهَا ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ بَائِعِهِ وَهُوَ ذُو الْيَدِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ وَإِنْ أَثْبَتَا قَبْضًا يُقْضَى بِهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْبَيْعَيْنِ جَائِزَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْخَارِجَ بَاعَهَا مِنْ بَائِعِهِ بَعْدَ مَا قَبَضَهَا وَذَلِكَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ وَقْتُ صَاحِبِ الْيَدِ أَسْبَقَ يُقْضَى بِهَا لِلْخَارِجِ سَوَاءٌ شَهِدُوا بِالْقَبْضِ أَوْ لَمْ يَشْهَدُوا لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ قَابِضٌ وَقَدْ أَثْبَتَ شِرَاءَهُ سَابِقًا فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى أَوَّلًا كَمَا شَهِدَ بِهِ شُهُودُهُ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ بَائِعِهِ وَهُوَ الْخَارِجُ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِالْقَبْضِ أَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ إنْ شَهِدُوا بِالْقَبْضِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُرَجَّحُ بِزِيَادَةِ عَدَدِ الشُّهُودِ) مَعْنَاهُ أَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَكْثَرَ لَا يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ شُهُودِهِ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ يَكُونُ بِقُوَّةٍ فِي الْعِلَّةِ لَا بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ) أَيْ وَفِي الْكَافِي هَذَا بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمَا اهـ قَوْلُهُ هَذَا أَيْ مَا فِي الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ وُقِّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَقَارِ) قُيِّدَ بِالْعَقَارِ لِيَظْهَرَ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.