ثَالِثٌ مِيرَاثًا مِنْ غَيْرِهِمَا وَادَّعَى رَابِعٌ صَدَقَةً وَقَبْضًا مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بَيْنهمْ أَرْبَاعًا سَوَاءً كَانَ مَعَهُمْ تَارِيخٌ أَوْ مَعَ بَعْضِهِمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الْمِلْكَ لِمُمَلِّكِهِمْ وَذَلِكَ لَا تَارِيخَ فِيهِ وَلَا يُقَدَّمُ الْأَقْوَى هُنَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَتَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقُ أَوْ بَرْهَنَا عَلَى النِّتَاجِ وَسَبَبِ مِلْكٍ لَا يَتَكَرَّرُ أَوْ الْخَارِجُ عَلَى الْمِلْكِ وَذُو الْيَدِ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَذُو الْيَدِ أَحَقُّ) يَعْنِي فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَرِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَصْلًا لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ تُثْبِتُ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ فَيَسْتَوِي فِيهَا التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فَصَارَا كَأَنَّهُمَا قَامَتَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَا السَّبَبَ كَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْحُدُوثَ وَفِيهِ الْأَقْدَمُ أَوْلَى مَا لَمْ يَدَّعِ الْمُتَأَخِّرُ التَّلَقِّيَ مِنْ جِهَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ مَعَ التَّارِيخِ تَدْفَعُ مِلْكَ غَيْرِهِ فِي وَقْتِ التَّارِيخِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى الدَّفْعِ مَقْبُولَةٌ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِغَيْرِهِ بَعْدَهُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ
وَلَوْ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا تَارِيخٌ أَوْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَ الْخَارِجُ أَوْلَى لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تُثْبِتُ غَيْرَ الظَّاهِرِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ لَا تُثْبِتُ غَيْرَ مَا ظَهَرَ بِالْيَدِ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى مَا لَمْ يُثْبِتْ ذُو الْيَدِ التَّقَدُّمَ عَلَيْهِ صَرِيحًا بِلَا احْتِمَالٍ وَفِيمَا إذَا أَرَّخَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ وَحْدَهَا خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى فِيهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَبَتَ فِي وَقْتٍ مُتَقَدِّمٍ بِيَقِينٍ وَمِلْكَ الْآخَرِ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُزَاحِمُ الْمُتَيَقَّنَ فَصَارَ كَمَا إذَا أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ وَاحِدٍ قُلْنَا بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَتْ الدَّفْعَ وَلَمْ تَتَضَمَّنْ هُنَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِلْكُ الْخَارِجِ أَقْدَمَ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ حَيْثُ يَكُونُ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا إلَّا إذَا أَرَّخَا وَكَانَ تَارِيخُ الْخَارِجِ أَقْدَمَ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا
وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى فِي أَيْدِيهِمَا وَأَرَّخَا كَانَ أَقْدَمُهُمَا تَارِيخًا أَوْلَى عِنْدَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ مَقْبُولَةٌ عِنْدَهُمَا لِلدَّفْعِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْوَقْتَ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَلَوْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَعْتَبِرُ التَّارِيخَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِلِاحْتِمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَعْتَبِرُهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ لِلْمُؤَرِّخِ مِنْهُمَا لِأَنَّ تَارِيخَ الْوَاحِدِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ لِتَيَقُّنِ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاحْتِمَالِ الْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَرُجِّحَ بِالتَّيَقُّنِ
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ أَوْ عَلَى سَبَبٍ آخَرَ لَا يَتَكَرَّرُ فَلِأَنَّ بَيِّنَتَهُمَا قَامَتَا عَلَى مَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْيَدُ فَاسْتَوَيَا فِي الْإِثْبَاتِ وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ بِالْيَدِ فَيُقْضَى لَهُ بِهِ وَلَا عِبْرَةَ لِلتَّارِيخِ لِأَنَّ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ تَسْتَوْعِبُ كُلَّ تَارِيخٍ فَلَا يُفِيدُ ذِكْرُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْهُمَا اتَّحَدَ التَّارِيخَانِ أَوْ اخْتَلَفَا مَا لَمْ يَذْكُرْ تَارِيخًا مُسْتَحِيلًا بِأَنْ لَمْ يُوَافِقْ سِنَّ الْمُدَّعَى وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي إثْبَاتِ أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ وَتَرَجَّحَ الْخَارِجُ بِإِثْبَاتِ مَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْيَدُ وَهُوَ الْمِلْكُ لِنَفْسِهِ فَكَانَ أَوْلَى وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَيُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ بِيَقِينٍ لِاسْتِحَالَةِ نِتَاجِ دَابَّةٍ مِنْ دَابَّتَيْنِ فَصَارَ نَظِيرَ الشَّهَادَةِ بِالْقَتْلِ فِي مَكَانَيْنِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى لِذِي الْيَدِ بِنَاقَةٍ بَعْدَ مَا أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَهَا وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَهَا وَلِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَكَانَ مُسَاوِيًا لِلْخَارِجِ فِيهَا فَبِإِثْبَاتِهَا يَنْدَفِعُ الْخَارِجُ وَبَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ مَقْبُولَةٌ لِلدَّفْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ أَرَّخَا فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَقْدَمُ تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ
وَكَذَا فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا فِيهَا مِنْ تَضَمُّنِ مَعْنَى الدَّفْعِ فَكَذَا هُنَا وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ كَالْغَصْبِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ حَيْثُ تَكُونُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى وَإِنْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ النِّتَاجَ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْفِعْلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله لِمُمَلِّكِهِمْ) هُوَ بِالْإِفْرَادِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا بَعْدَ عَوْدِهِ مِنْ الرَّقَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ وَقَالَ الْخَارِجُ أَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِيهِ الْأَقْدَمُ) أَيْ سَوَاءً كَانَ الْبَيْعُ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْخِلَافَ مُتَّحِدٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى فِي أَيْدِيهِمَا وَوَقَّتَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ وَفِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَوَقَّتَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) يَعْنِي بِهِ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى فِي أَيْدِيهِمَا اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَا) أَيْ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتْجُهَا عِنْدَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَامَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتْجُهَا عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِلَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ أُخِذَ هَذَا بِالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْضَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا تَعَارَضَا فِي الْإِثْبَاتِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأُولَى مِنْ الْآخَرِ لَكِنَّا نَرُدُّ الْقِيَاسَ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ مَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى نَاقَةً فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتْجُهَا عِنْدَهُ وَأَقَامَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتْجُهَا عِنْدَهُ فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ» (قَوْلُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ) حَتَّى يَحْلِفَ ذُو الْيَدِ لِلْخَارِجِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ قَرِيبًا اهـ
(قَوْلُهُ فَكَانَ مُسَاوِيًا لِلْخَارِجِ فِيهَا) أَيْ فِي دَعْوَى النِّتَاجِ اهـ