فَهُوَ مُعَايَنَةٌ وَقَوْلُهُ وَأَصْلُ الْوَقْفِ يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ شَرَائِطِهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ هُوَ الَّذِي يُشْتَهَرُ دُونَ شَرَائِطِهِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا بِالتَّسَامُعِ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ أَوْ الْفَقِيرِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرُوا فِي شَهَادَتِهِمْ الْجِهَةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ ثُمَّ قَصْرُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَنْفِي اعْتِبَارَ التَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لَحْمَةٌ كَلَحْمَةِ النَّسَبِ» وَلِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْوَلَاءِ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالنَّسَبِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ بِالتَّسَامُعِ لَتَعَطَّلَتْ الْأَحْكَامُ، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْعِتْقَ يَنْبَنِي عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُعَايَنَةِ فَكَذَا مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْعِتْقِ لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِيهِ أَيْضًا ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَسِّرَ أَنَّهُ يَشْهَدَ بِالتَّسَامُعِ فَلَوْ فَسَّرَ لَا يَقْبَلُهُ كَمُعَايَنَةِ شَيْءٍ فِي يَدِ إنْسَانٍ يُطْلَقُ لَهُ الشَّهَادَةُ، وَإِذَا فُسِّرَ لَا تُقْبَلُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ سِوَى الرَّقِيقِ لَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ)؛ لِأَنَّ الْيَدَ بِلَا مُنَازِعٍ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمِلْكِ إذْ لَا دَلِيلَ بِمَعْرِفَةِ الْمِلْكِ فِي حَقِّ الشَّاهِدِ سِوَى الْيَدِ بِلَا مُنَازِعٍ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُعَايِنَ أَسْبَابَ الْمِلْكِ مِنْ الشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْمُمَلَّكَ ثَبَتَ مِلْكُهُ بِالْيَدِ بِلَا مُنَازِعٍ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا صَحَّ التَّمْلِيكُ مِنْهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَثَبَتَ بِهَذَا أَنْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْمِلْكِ سِوَى الْيَدِ فَكَانَ مُعْتَمَدُ الشَّاهِدِ الْيَدَ اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَمَنْعُهُ الشَّهَادَةَ بِالْيَدِ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِهَا إذْ لَا دَلِيلَ لِلشَّاهِدِ سِوَى الْيَدِ، وَبَابُهَا مَفْتُوحٌ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فَمَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهَا فَهُوَ الْمُنْتَفِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ لِيَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ عِلْمٍ أَوْ غَلَبَةُ ظَنٍّ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِلَا عِلْمٍ لَا تَجُوزُ لِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا وَلِهَذَا قِيلَ لَوْ رَأَى دُرَّةً ثَمِينَةً فِي يَدِ كَنَّاسٍ أَوْ كِتَابًا فِي يَدِ جَاهِلٍ وَلَيْسَ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ قَالُوا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ وَسِعَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَلِيلُ الْمِلْكِ الْيَدُ مَعَ التَّصَرُّفِ وَبِهِ قَالَ الْخَصَّافُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى مِلْكٍ الْوَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَإِجَارَةٍ وَرَهْنٍ فَلَا يَمْتَازُ إلَّا بِالتَّصَرُّفِ قُلْنَا التَّصَرُّفُ أَيْضًا مُتَنَوِّعٌ إلَى وَكَالَةٍ وَأَصَالَةٍ.

وَشَرَطَ النَّسَفِيُّ التَّصَرُّفَ مَعَ الْيَدِ وَأَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّهَادَةِ الْإِحَاطَةُ، وَالتَّيَقُّنُ لِمَا بَيَّنَّا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ مُتَعَذِّرٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ غَايَةُ مَا يُمْكِنُ وَهُوَ الْيَدُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ حَقِيقَةً، وَإِنْ رَآهُ يَشْتَرِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُهُ فَيَكْتَفِي بِظَاهِرِ الْيَدِ تَيْسِيرًا إذْ الْأَصْلُ أَنْ تَكُونَ الْأَمْلَاكُ فِي يَدِ مُلَّاكِهَا، وَكَيْنُونَتُهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ عَارِضٌ فَرَجَّحْنَا بِالْأَصْلِ وَلِهَذَا يَقْضِي لَهُ الْقَاضِي بِالْيَدِ قَضَاءَ تَرْكٍ ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يُعَايِنَ الْمَالِكَ، وَالْمِلْكَ بِأَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ وَأَصْلُ الْوَقْفِ) قَبُولُ شَهَادَةِ التَّسَامُعِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ شَرَائِطِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَيْسَ مَعْنَى الشُّرُوطِ أَنْ يُبَيِّنُوا الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ بَلْ أَنْ يَقُولَ يُبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهَا بِكَذَا لِكَذَا وَالْبَاقِي كَذَا وَكَذَا وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى كَذَا وَلَمْ يُبَيِّنُوا الْوَاقِفَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ وَنُصَّ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ قَدِيمًا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَاقِفِ

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ سِوَى الرَّقِيقِ لَك أَنْ تَشْهَدَ إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي فَصْلٍ فِي الشَّاهِدِ يَشْهَدُ بَعْدَمَا أَخْبَرَ بِزَوَالِ الْحَقِّ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا رَأَيْت فِي يَدِ رَجُلٍ مَتَاعًا أَوْ دَارًا وَوَقَعَ فِي قَلْبِك أَنَّهُ لَهُ ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَسِعَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِك حِينَ رَأَيْته أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ لَمْ يَسَعْ أَنْ تَشْهَدَ لَهُ بِرُؤْيَتِك إيَّاهُ فِي يَدِهِ، وَإِنْ رَأَيْته فِي يَدِهِ فَوَقَعَ فِي قَلْبِك أَنَّهُ لَهُ ثُمَّ رَأَيْته فِي يَدِ غَيْرِهِ فَأَرَدْت أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ فَشَهِدَ عِنْدَك شَاهِدَا عَدْلٍ أَنَّهُ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيَوْمَ كَانَ هُوَ أَوْدَعَهُ لِلْأَوَّلِ بِحَضْرَتِهِمَا لَمْ يَسَعْك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ، فَإِنْ شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ وَسِعَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ قَالَ؛ لِأَنَّ عِنْدَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَوَّلِ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لَا يَزُولُ مَا كَانَ فِي قَلْبِك أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَمْتَنِعَ عَنْ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِك أَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ صَادِقٌ فَإِذَا وَقَعَ فِي قَلْبِك ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ.

وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إذَا رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّهُ لَهُ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا رَأَى مَتَاعًا أَوْ دَارًا فِي يَدِ إنْسَانٍ ثُمَّ رَآهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّصَرُّفَ مَعَ الْيَدِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُحْتَمَلَةٌ وَكَذَا التَّصَرُّفُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ مَا لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى: وَإِذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي دَارًا وَشَهِدَ شُهُودُهُ أَنَّ فُلَانًا وَهَبَهَا لَهُ وَقَبَضَهَا أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ وَلَا يَحْتَاجَانِ إلَى أَنْ يَقُولَا بَاعَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ بِقَبْضِ الْمُدَّعِي الدَّارَ مِنْ الْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ شَهَادَةٌ مِنْهُمْ أَنَّ الدَّارَ كَانَتْ فِي يَدِ الْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ فِيمَا مَضَى وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا وَهَبَ الدَّارَ مِنْ الْمُدَّعِي وَالدَّارُ كَانَتْ فِي يَدِهِ يَوْمَ الْهِبَةِ أَوْ بَاعَ وَالدَّارُ كَانَتْ فِي يَدِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَيُقْضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِالْمِلْكِ لِلْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ نَصًّا فَقَدْ شَهِدُوا لَهُ بِالْمِلْكِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْيَدِ عِنْدَ سَبَبِ الْمِلْكِ جُعِلَ دَلَالَةً عَلَى الْمِلْكِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِهَا وَلِهَذَا قَالُوا مَنْ رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ وَلَوْ رَآهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لِهَذَا اهـ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015