الصَّكَّ يَكُونُ فِي يَدِ الْخُصُومِ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ التَّبْدِيلِ وَلَوْ نَسِيَ الْقَاضِي قَضَاءَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سِجِلٌّ فَشَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ قَضَى بِكَذَا فَعَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعْتَمَدُ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ قَوْمٌ يَثِقُ بِهِمْ أَنَّهُ كَانَ شَاهِدًا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ وَعَلَى هَذَا لَوْ سَمِعَ حَدِيثًا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ نَسِيَ رَاوِي الْأَصْلِ فَسَمِعَهُ مِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَعْتَمِدُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ ذَلِكَ فِي الْكُلِّ وَلَوْ تَذَكَّرَ مَجْلِسَ الشَّهَادَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ إلَّا فِي النَّسَبِ، وَالْمَوْتِ، وَالنِّكَاحِ، وَالدُّخُولِ وَوِلَايَةِ الْقَاضِي وَأَصْلِ الْوَقْفِ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ)، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِعِلْمٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْعِلْمُ إلَّا بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالْعِيَانِ أَوْ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَالِ أَخَفُّ مِنْ حُكْمِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِالتَّسَامُعِ، وَالْحُكْمُ يَجِبُ بِمَا تَجِبُ بِهِ الشَّهَادَةُ وَلِهَذَا لَوْ فُسِّرَ لِلْقَاضِي لَا يَقْبَلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَخْتَصُّ بِمُعَايَنَةِ أَسْبَابِهَا خَوَاصٌّ مِنْ النَّاسِ وَيَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ تَبْقَى عَلَى انْقِضَاءِ الْقُرُونِ وَانْقِرَاضِ الْأَعْصَارِ فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ فِيهَا بِالتَّسَامُعِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَتَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ وَلِأَنَّ الْأَسْبَابَ يَقْتَرِنُ بِهَا مَا تَشْتَهِرُ بِهِ، فَإِنَّ النَّسَبَ يَشْتَهِرُ بِالتَّهْنِئَةِ وَنِسْبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى الْآخَرِ عِنْدَ الْمُخَاطَبَاتِ، وَالْمُنَادَاةِ، وَالْمَوْتِ بِالتَّعْزِيَةِ وَقِسْمَةِ التَّرِكَاتِ وَانْدِرَاسِ الْآثَارِ، وَالنِّكَاحِ بِالشُّهُودِ، وَالْوَلَائِمِ، وَالدُّخُولِ بِتَعَلُّقِ أَحْكَامٍ مَشْهُورَةٍ مِنْ الْمَهْرِ، وَالنَّسَبِ، وَالْعِدَّةِ وَثُبُوتِ الْإِحْصَانِ، وَالْقَضَاءِ بِقِرَاءَةِ الْمَنْشُورِ وَاخْتِلَافِ الْخُصُومِ إلَيْهِ وَازْدِحَامِهِمْ عَلَيْهِ فَنُزِّلَتْ الشُّهْرَةُ فِيهَا مَنْزِلَةَ الْعِيَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْمُشَاهَدَةُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَالْإِجَارَةِ وَأَمْثَالِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِمُشَاهَدَةِ أَسْبَابِهَا الْخَوَاصُّ مِنْ النَّاسِ بَلْ يَحْضُرُهُ الْخَاصُّ، وَالْعَامُّ.
وَبِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ وَلِأَنَّ النَّاسَ قَاطِبَةً مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالشُّهْرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّا نَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ وَدَخَلَ بِهَا وَشُرَيْحًا كَانَ قَاضِيًا وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَزَوَّجَ بِنْتَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلَوْ تَعَلَّقَتْ بِحَقِيقَةِ عِلْمِ النَّسَبِ أَدَّى إلَى عَدَمِ الشَّهَادَةِ بِهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ سَبَبَ النَّسَبِ الْعُلُوقُ وَلَا عِلْمَ لِلْبَشَرِ فِيهِ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ التَّوْلِيَةُ وَلَا يَحْضُرُهُ إلَّا الْوَزِيرُ وَأَمْثَالُهُ وَكَذَا الدُّخُولُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الزَّوْجَانِ فَاكْتَفَى فِي الْكُلِّ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ ثُمَّ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَذِهِ بِالتَّوَاتُرِ أَوْ بِإِخْبَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ، وَإِذَا رَأَى امْرَأَةً يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ وَيَنْبَسِطَانِ انْبِسَاطَ الْأَزْوَاجِ وَسَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ عَقْدَ النِّكَاحِ وَكَذَا إذَا رَأَى شَخْصًا جَالِسًا مَجْلِسَ الْحُكْمِ يَفْصِلُ الْخُصُومَاتِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ قَاضٍ قَالُوا وَفِي الْإِخْبَارِ يُشْتَرَطُ أَنْ يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَهُوَ عُدُولٌ لِيَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ عِلْمٍ أَوْ غَلَبَةُ ظَنٍّ وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يُكْتَفَى بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِخْبَارِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الْمَوْتِ وَفِي الْمَوْتِ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ فَكَذَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ.
وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْمَوْتَ إلَّا شَخْصٌ وَاحِدٌ وَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَخْبَرَ بِذَلِكَ رَجُلًا عَدْلًا ثُمَّ يَشْهَدَانِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ حَضَرَ دَفْنَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ نَسِيَ الْقَاضِي قَضَاءَهُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ نَسِيَ الْقَاضِي قَضَاءَهُ وَلَا سِجِلَّ لَهُ فَشَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَنَّك قَضَيْت بِكَذَا لِهَذَا عَلَى فُلَانٍ، فَإِنْ تَذَكَّرَ أَمْضَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ وَقِيلَ وَأَبُو يُوسُفَ كَذَلِكَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَمَدُ وَيَقْضِي بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ تَذَكَّرَ مَجْلِسَ الشَّهَادَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ) بِالِاتِّفَاقِ وَقِيلَ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا اهـ أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَا يَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ) أَيْ لَمْ يَقْطَعْ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُعَايَنَةِ بِالْعَيْنِ أَوْ السَّمَاعِ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ) مِنْ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ وَذَلِكَ بِالْعِلْمِ وَلَمْ يَحْصُلْ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ تَزَوَّجَ بِنْتَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) وَاسْمُهَا أُمُّ كُلْثُومٍ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الْأَوْلِيَاءِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ اهـ وَقَوْلُهُ بِنْتُ عَلِيٍّ أَيْ مِنْ فَاطِمَةَ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يَكْتَفِي بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ فِي نِكَاحِ فَتَاوَاهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَوْتَ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ لَا يَكْتَفِي فِيهِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْكَمَالُ وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يَكْتَفِي بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ فَقَوْلُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ مِنْ التَّصْحِيحِ اهـ وَقَوْلُهُ: يَكْتَفِي بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يُشَاهِدُ غَيْرُ الْوَاحِدِ إذْ الْإِنْسَانُ يَهَابُهُ وَيَكْرَهُهُ فَيَكُونُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ بَعْضُ الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ النَّسَبُ وَالنِّكَاحُ. اهـ. هِدَايَةٌ
(قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِخْبَارِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْإِخْبَارِ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ وَفِي الْمَوْتِ إذَا قُلْنَا يَكْفِي الْوَاحِدُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْمَوْتَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِذَا رَآهُ وَاحِدٌ عَدْلٌ وَيَعْلَمُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ وَهُوَ عَدْلٌ أَخْبَرَ غَيْرَهُ ثُمَّ يَشْهَدَانِ بِمَوْتِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ الْمُخْبِرُ أَنَّهُ شَهِدَ مَوْتَهُ أَوْ جِنَازَتَهُ وَدَفْنَهُ حَتَّى يَشْهَدَ الْآخَرُ مَعَهُ وَكَذَا لَوْ جَاءَ خَبَرُ مَوْتِ رَجُلٍ وَصَنَعَ أَهْلُهُ مَا يُصْنَعُ بِالْمَوْتَى لَمْ يَسَعْ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِهِ إلَّا إنْ شَهِدَ مَوْتَهُ أَوْ سَمِعَ مِمَّنْ شَهِدَ بِذَلِكَ اهـ