لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِلْعَقْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ قِيَامُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْوُجُودِ فِي الذِّمَّةِ بِالْعَقْدِ فَكَانَ حُكْمًا لِلْعَقْدِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ فَلَا يَكُونُ مَحِلًّا لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَحِلَّ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ يَسْبِقُ فَكَانَ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ، وَلِهَذَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا بِهَلَاكِ الثَّمَنِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَلَاكُ بَعْضِهِ بِقَدْرِهِ) أَيْ هَلَاكُ بَعْضِ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَلَوْ تَقَايَضَا عَبْدًا بِجَارِيَةٍ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا صَحَّتْ الْإِقَالَةُ فِي الْبَاقِي مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فَكَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ هَلَكَا جَمِيعًا حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ مَحِلِّهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ هَلَكَ الْبَدَلَانِ فِي الصَّرْفِ حَيْثُ تَجُوزُ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الصَّرْفِ مَا وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذِمَّةِ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ هَلَاكُهُ وَالْمَقْبُوضُ غَيْرُهُ فَلَا يَمْنَعُ هَلَاكَهُ صِحَّةُ الْإِقَالَةِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَا قَائِمَيْنِ وَتَقَايَلَا لَا يَلْزَمُهُمَا رَدُّ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ بَلْ لَهُمَا أَنْ يَرُدَّا مِثْلَ الْمَقْبُوضِ مِنْ جِنْسِهِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَقْبُوضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ تَقَايَلَا فِيهِ فَهَلَكَ الْبَدَلَانِ لَا تَبْطُلُ الْإِقَالَةُ فَكَذَا لَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِهِمَا بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ تَتَعَلَّقُ بِأَعْيَانِهِمَا كَالْبَيْعِ فَتَبْطُلُ بِهَلَاكِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ لِتَعَيُّنِ الْبَدَلَيْنِ فِيهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ التَّوْلِيَةِ) وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَهُ وَالِيًا فَكَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَجْعَلُ الْمُشْتَرَى مِنْهُ وَالِيًا بِمَا اشْتَرَاهُ ثُمَّ أَنْوَاعُ الْبِيَاعَاتِ بِحَسَبِ الثَّمَنِ الَّذِي يُذْكَرُ بِمُقَابَلَةِ السِّلْعَةِ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ الْمُسَاوَمَةُ وَهِيَ الَّتِي لَا يُلْتَفَتُ فِيهَا إلَى الثَّمَنِ السَّابِقِ وَالْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالْوَضِيعَةِ وَهِيَ الْبَيْعُ بِأَنْقَصَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ) أَيْ التَّوْلِيَةُ (بَيْعٌ بِثَمَنٍ سَابِقٍ وَالْمُرَابَحَةُ بِهِ وَبِزِيَادَةٍ) وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ هُمَا نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَنْقُلَ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ حَتَّى لَوْ ضَاعَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً عَلَى مَا ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ وَالْعَقْدَانِ جَائِزَانِ شَرْعًا لِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الْبَيْعِ وَلِتَعَامُلِ النَّاسِ بِهِمَا إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَلِأَنَّ مَنْ لَا يَهْتَدِي إلَى التِّجَارَةِ يَحْتَاجُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى فِعْلِ الذَّكِيِّ الْمُهْتَدِي فِيهَا وَتَطِيبُ نَفْسُهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ، وَلِهَذَا كَانَ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ الْخِيَانَةِ وَشُبْهَتِهَا وَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبِيَاعَاتِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِمَا «وَلَمَّا أَرَادَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْهِجْرَةَ ابْتَاعَ أَبُو بَكْرٍ بَعِيرَيْنِ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( بَابُ التَّوْلِيَةِ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ إيقَاعِ الْبُيُوعِ اللَّازِمَةِ وَغَيْرِ اللَّازِمَةِ كَالْبَيْعِ لِشَرْطِ الْخِيَارِ وَكَانَتْ هِيَ بِالنَّظَرِ إلَى جَانِبِ الْمَبِيعِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِهَا بِالنَّظَرِ إلَى جَانِبِ الثَّمَنِ كَالْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالرِّبَا وَالصَّرْفِ وَتَقْدِيمِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي لِأَصَالَةِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَهِيَ مَصْدَرُ وَلَّى غَيْرَهُ أَيْ جَعَلَهُ وَالِيًا وَفِي الشَّرْعِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ اهـ قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ الْبَيْعُ فِي حَقِّ الْبَدَلِ يَنْقَسِمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ بَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ وَهُوَ الْبَيْعُ بِأَيِّ ثَمَنٍ اتَّفَقَ وَهُوَ الْمُعْتَادُ وَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَبِيعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَزِيَادَةُ رِبْحٍ وَالثَّالِثُ بَيْعُ التَّوْلِيَةِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَبِيعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَالرَّابِعُ الِاشْتِرَاكُ وَهُوَ بَيْعُ التَّوْلِيَةِ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ مِنْ النِّصْفِ وَنَحْوِهِ وَالْخَامِسُ بَيْعُ الْوَضِيعَةِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَبِيعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ نُقْصَانٍ مِنْهُ يَسِيرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ) أَيْ لَمْ يُفَسِّرْهُمَا اكْتِفَاءً بِمَا فِي الْمَتْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْوَضِيعَةُ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِسْمَ الثَّانِيَ فِي هَذَا الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْمُبَايَعَاتِ الِاسْتِرْبَاحُ اهـ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِسْمَ الثَّانِيَ الْمُرَادُ مِنْهُ بَيْعُ الْوَضِيعَةِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: التَّوْلِيَةُ بَيْعٌ بِثَمَنٍ سَابِقٍ) أَيْ وَهُوَ الْبَيْعُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْقُدُورِيُّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْخِيَانَةِ وَشُبْهَتِهَا) أَيْ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا مُؤَجَّلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً إلَّا إذَا بَيَّنَ التَّأْجِيلَ. اهـ. غَايَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مَعْنًى يُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِهِ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةُ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْأَجَلِ فَلَوْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً يَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ بِثَمَنٍ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى جَمِيعِ الثَّمَنِ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةُ الْخِيَانَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَمَّا أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْهِجْرَةَ إلَخْ) أَخَذَهُ مِنْ الْهِدَايَةِ قَالَ الْكَمَالُ وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ وَفِيهِ أَنَّ «أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالثَّمَنِ» أَخْرَجَهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخَذْتهَا بِالثَّمَنِ» وَفِي الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ «وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ اشْتَرَاهُمَا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ نَعَمِ بَنِي قُشَيْرٍ فَأَخَذَ إحْدَاهُمَا وَهِيَ الْقَصْوَى» فَمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ يَصِحُّ بِالْمَعْنَى وَتَفْصِيلُهُ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ قَالَ فِيهَا «فَلَمَّا قَرَّبَ أَبُو بَكْرٍ الرَّاحِلَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ أَفْضَلَهُمَا ثُمَّ قَالَ لَهُ ارْكَبْ فِدَاك أَبِي وَأُمِّي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَرْكَبُ بَعِيرًا لَيْسَ لِي قَالَ فَهِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا وَلَكِنْ مَا الثَّمَنُ الَّذِي ابْتَعْتهَا بِهِ قَالَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ قَدْ أَخَذْتهَا بِذَلِكَ قَالَ هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَكِبَا وَانْطَلَقَا» ذَكَرَ